هو عبد الله بن ثوب. وقيل: عبد الله بن عوف، والأول أشهر. كان فاضلًا ناسكًا عابدًا، وله كرامات وفضائل. أدرك الجاهلية وأسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره صلى الله عليه وسلم. قدم المدينة حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر رضي الله عنه، فهو معدود في كبار التابعين، وعداده في الشاميين.
أُلقي في النار فلم تؤثر فيه
قيل: إن الأسود بن قيس العنسي كان باليمن وكان قد ادّعى النبوة ودعا الناس لاتّباعه فأرسل إلى أبي مسلم فقال له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فتشهد أني رسول الله. قال: ما أسمع، قال: فأمر بنار عظيمة فأجّجت، فطرح فيها أبا مسلم فلم تضره، فقال له أهل مملكته: إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك. فأمره بالرحيل، فقدم المدينة المنورة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه، فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي، فبصر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن. قال: فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره؟ فقال: ذاك عبد الله بن ثوب. قال: نشدتك بالله أنك هو. قال: اللهم نعم. قال: فقبّل ما بين عينيه، ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فُعل به كما فُعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام.
بعض كراماته
كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله سلّم فإذا بلغ وسط الدار كبّر وكبّرت امرأته فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه بطعام فيأكل، فجاء ذات ليلة فكبّر فلم تجبه، ثم أتى إلى باب البيت فكبّر وسلّم فلم تجبه، وإذا البيت ليس فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكت في الأرض به، فقال لها: ما لك؟ فقالت: الناس بخير، وأنت لو أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئًا تعيش به، فقال: اللهم مَن أفسد عليّ أهلي فأعمِ بصره، قال: وكانت أتتها امرأة فقالت لامرأة أبي مسلم: لو كلّمت زوجك ليكلّم معاوية فيُخدمكم ويُعطيكم؟ قال: فبينما هذه المرأة في منزلها والسراج مزهر، إذ أنكرت بصرها، فقالت: سراجكم طفئ؟ قالوا: لا، قالت: إن الله أذهب بصري، فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده وتتلطف إليه، فدعا الله تعالى فردّ الله بصرها، ورجعت امرأته على حالها التي كانت عليها.
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمته من تاريخه أمرًا عجيبًا وشأنًا غريبًا وذلك أنه كان بيد أبي مسلم الخولاني سُبحة يسبّح بها فنام والسبحة في يده، فاستدارت السبحة فالتفّت على ذراعه وجعلت تسبّح فالتفت أبو مسلم والسبحة تدور في ذراعه وهي تقول: سبحانك يا مُنبِت النبات ويا دائم الثبات -أي ثابت الوجود-، فقال: هلمّي يا أم مسلم وانظري إلى أعجب الأعاجيب، فجاءت أم مسلم والسبحة تدور تسبّح فلما جلست سكتت.
وعظه لمعاوية
روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه عن أبي عبد الله الحرسي وكان من حرس عمر بن عبد العزيز أنه قال: “دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقال الناس: الأمير يا أبا مسلم، ثم قال: السلام عليك أيها الأجير، فقال الناس: الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فهو أعلم بما يقول، قال أبو مسلم: “إنما مَثَلك مَثَل رجل استأجر أجيرًا فولّاه ماشيته وجعل له الأجر على أن يحسن الرعية ويوفر جزازها وألبانها فإن هو أحسن رعيتها ووفر جزازها حتى تلحق الصغيرة وتسمن العجفاء أعطاه أجره وزاده من قبله زيادة، وإن هو لم يحسن رعيتها وأضاعها حتى تهلك العجفاء وتعجف السمينة ولم يوفر جزازها وألبانها غضب عليه صاحب الأجر فعاقبه ولم يعطه الأجر”. وإنما أراد أبو مسلم تنبيه معاوية أن المنصب الذي تولّاه عظيم فعليه أن يقوم بحقه.
توفي أبو مسلم الخولاني سنة اثنتين وستين للهجرة، ودفن بداريا من ضياع دمشق، رحمه الله تعالى.█