مقالنا هذه المرّة سيتناول موضوع الدهون ولكن بطريقة جديدة وغير مألوفة. فبسبب الأحاديث المكثّفة عن أخطار السمن البلدي والزبدة البلدية من قبل الأطباء واختصاصيي التغذية صار الأهل يجتنبونها كاجتناب السم. ولكن غابت عن أذهانهم أن أجدادهم وقبلهم أمم استعملت هذه الدهون الطبيعية وكانوا أحسن حالًا وأمتن صحة منّا. 

فالدهون الجيدة التي نتحدث عنها هذه المرة هي السمنة والزبدة وزيت جوز الهند. هذه الدهون تحتوي على خصائص غذائية وعلاجية لجسم الإنسان، كما أن منافعها وردت في الطب العربي.

الزبدة

كلامنا هنا عن الزبدة الحيوانية أي البقرية أو زبدة الغنم أو غيرها. والزبدة هي دسم الحليب الصافي الذي يحتوي على كمية ضئيلة جدًّا من البروتينات. فقد ذكر الطب العربي خصائص علاجية ومنافع كثيرة للزبدة الحيوانيّة الطبيعيّة، بالإضافة للكثير من الأطباء الغربيين. وإليكم بعض الفوائد التي تشجّعكم على تناول الزبدة الحيوانية الطبيعية:  

– غنيّة جدًا بالفيتامينات “A”، “D”، “E”، “K”. 

– غنيّة بالمعادن مثل الزنك، النحاس، الكروم، المغنيزيوم والسيلينيوم.

 – تحتوي على الكولسترول النافع والأحماض الدهنية الساسيّة مثل “Oleic acid” الموجود أيضًا في زيت الزيتون.

 – تحتوي على دهون مشبعة -52% تقريبًا- وكولسترول إلا أنها لا تسبب انسدادًا في الشرايين أو جلطات. والكولسترول مهم جدًّا ومفيد. كلّ خلية في جسدنا تحتوي على الكولسترول كجزء من هيكلها. ودماغ الإنسان غني بشكل بارز بالكولسترول. حتى حليب الأم يحتوي أيضًا على الكولسترول.  

 – تعتبر الزبدة من الدهون المناسبة للطهي والخبز بسبب هذه الدهون المشبّعة.

 – تحتوي على توازن ممتاز بين أوميغا 3 وأوميغا 6.

 – مضادة للأكسدة ومضادة للالتهابات.

 – تساعد على استقرار معدل السكر في الدم.

ويتألف حليب الأم من 48% من الدهون المشبّعة، 33% من الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبّعة و16% الأحماض الدهنية غير المشبّعة. إن فيزيولوجيا جسد الإنسان ووظائف الأعضاء تبقى ذاتها منذ الولادة وحتى الشيخوخة. والطفل ينمو بطريقة ممتازة بسبب هذا الحليب الذي يحتوي على غالبية دهنية مشبّعة!

أمّا الزبدة فتحتوي على 52% من الدهون المشبّعة، 30% من الأحماض الدهنيّة الأحادية غير المشبّعة و4% الأحماض الدهنية غير المشبّعة.

السمنة

أمّا السمنة الحيوانية الطبيعية فهي دسم الحليب الصافي الخالي من البروتينات. فالسمن يؤخذ من الزبدة ويمكن عملها منزليًّا بأن تذاب كمية من الزبدة على نار خفيفة جدًّا، تنزع الطبقة البيضاء -البروتين- التي تظهر على السطح وتبقى المادة الصفراء وهي السمن. يمتاز السمن الطبيعي بأنه طارد للسموم ويدخل في الكثير من العلاجات الطبيعية. حتى ألية الخروف تعتبر من الدهون الجيدة ووردت منفعتها في الحديث كما أن الطب العربي ذكر لها منافع، وهي مناسبة للطهي.  

نذكر بأنّ استعمال هذه الدهون من سمن وزبدة وألية يكون باعتدال.

زيت جوز الهند

جوز الهند ثمرة مغذية وماؤها نافع وكذلك زيتها، ذو رائحة وطعم مميّزين. زيت جوز الهند غنيّ جدًّا بالدهون المشبّعة ولذلك أُبعد -كما الزبدة والسمنة-  عن قائمة المأكولات الصحيّة واعتبر من الزيوت التي ينصح بالابتعاد عنها مطلقًا. إلا أنّ هذا النوع من الدهون هو صديق للصحة ولا يسبب انسدادًا للشرايين ولا ارتفاعًا لكولسترول الدم. كما أن منافعه ذكرت في الطب العربي. فمن فوائد زيت جوز الهند أنّه:

– مقاوم للأمراض وطارد للديدان والعفونات بسبب احتوائه على الحمض الدهني لوريك “Lauric acid” الموجود أيضًا في حليب الأم وهو يساعد الطفل على محاربة الأمراض.

– الثلاثية متوسطة السلسلة “Medium chain triglyceride” الموجودة في زيت جوز الهند تساعد على إنقاص الوزن الزائد.

– الشعوب التي تعتمد على هذا الزيت بشكل بارز تسجل أقل نسبة إصابات بأمراض القلب والشرايين.

– مـدمّــر لـلــبـكــتــيـريـا والـفــيــروسـات والــفـطــريـات والـخـمـائـر مــثــل الـ “Candida Albicans” بالإضافة للقمل.  

– يخفض من مستوى الإنسولين في الدم.

– مقوٍّ ومغذٍّ ومنعّم ممتاز للبشرة والشعر والأظافر. كما أنه بديل ممتاز لمضادات التعرق التجارية ومعجون الأسنان التجاري.

– مناسب للطهي والشَّيّ، ويستعمل في تحضير أطباق شهيّة.

كيف أختار زيت جوز الهند المناسب؟

للحصول على هذه الفوائد التي ذكرناها آنفًا احرص عزيزي القارئ على أن تتوفر فيه أربعة شروط:

الزيوت النباتية التجارية

أمّا بالنسبة للدهون النباتية كزيت الذرة وزيت دوّار الشمس وزيت الصويا التي نجدها على رفوف المحلات والسوبرماركت فكلّ هذه زيوت مكررة ومعالجة غير مناسبة للصحة بشكل عام. خلال عملية التكرير التي يمرّ بها الزيت، يتعرّض الزيت إلى الحرارة العالية والضغط المرتفع ويضاف إليه المواد الكيماوية لاستخراجه، ولكن للأسف فإن الحرارة المرتفعة والضغط العالي يغيّران من هيكله الضعيف ممّا ينتج عنه أحماض دهنية غير طبيعية وضارة “trans fatty acid”، وجزء من هذه المواد يبقى في الزيت الـمُستخرج، غير أنّ الزيت يفقد الفيتامينات الطبيعية كفيتامين “E”.  

بسبب هجمة الإعلانات المكثّفة على هذه الدهون، وكثرة الادّعاءات الصحيّة على العبوات على أنّها صحية وخالية من الكولسترول، وبسبب تحذير الأطباء واختصاصيي التغذية من استعمال الزبدة والسَّمنة الطبيعيتين، أقبل الناس على الدهون النباتية التجارية والمكررة وتركوا استعمال الدهون الجيدة من سمن وألية، ظنًّا منهم أنّهم يحافظون على صحة قلبهم وأوعيتهم الدموية. ولكن الدراسات الحديثة أكّدت أن لا علاقة بين استهلاك الزبدة والسَّمنة والألية –على شرط أن تكون من مصادر طبيعية وغير معالجة وخالية من المواد الكيماوية– وبين أمراض القلب وانسداد الشرايين. ونشير إلى أمر هام جدًا وهو أنّ هذه الزيوت تحتوي بطبيعتها على نسبة مرتفعة من الـ omega 6، فإنّ هذا الحمض الدهني معروف جدًا بتحفيزه لــلالــتــهــابــات “Inflammation” فـي الجسم إن أكثر الشخص من استهلاكه، مما ينتج عنه أمراض كثيرة كأمراض القلب والسكري والسُّمنة والتهاب المفاصل وغيرها… ولا يخفى كم صار استعمال الدهون النباتية كثيرًا في تحضير أطباقنا المنزلية على أنواعها بـالإضــافـة إلـى الـمـنـتـجـات الـغـذائـيـة المصنّعة حتى حليب الأطفال!!!!!

ونوجز ما ذكرنا بأنّ الزيوت والدهون المناسبة للطهي هي الزبدة الحيوانيّة الطبيعيّة، والسمنة الحيوانيّة الطبيعيّة، وألية الخروف، وزيت جوز الهند البكر العضوي المعصور على البارد والخام. ولا نتردد بقول إن زيت الزيتون مفيد جدًّا وصحيّ إلا أنّ الحرارة العالية في الطهي لا تناسبه، كما أنّ الأفوكا يعتبر من الدهون الجيدة وغيرهما كثير.

أمّا بالنسبة للدهون غير المناسبة للصحة فهي الدهون النباتية التجارية كزيت الذرة والصويا ودوار الشمس، والسمنة النباتية، والزبدة النباتية، وزيت جوز الهند المهدرج أو المهدرج جزئيًّا، كذلك الزيوت النباتية المهدرجة والمهدرجة جزئيًّا. فالزبدة النّباتية مُصنَّعة وغير طبيعية وتحتوي على أحماض دهنية رديئة ومسبّبة لأمراض القلب وانسداد الشرايين، بالإضافة للكثير من الكيماويات من منكهات وأصباغ اصطناعية وغيره… فننصح بقراءة المنتجات قبل شرائها.  

ثم إن المنتجات الطبيعية ولو كانت كلفتها المالية أعلى من غيرها إلا أنها مغذية أكثر من مثيلاتها المكررة والمحتوية على الكيماويات من أصباغ ومنكهات ومواد حافظة، وأوفر من الذهاب للأطباء وشراء الأدوية.█