ترتبط العلوم ارتباطًا مباشرًا بحياة الإنسان. فإذا تأمّلنا جيّدًا بعض الأحداث التي نصادفها في حياتنا اليوميّة، لوجدنا أنّ عددًا كبيرًا منها يخفي وراءه تفسيرًا علميًا. أدعوكم إذًا أيّها القرّاء الأعزّاء إلى متابعتي في هذا الباب العلمي الذي يُعْرَضُ فيه في كلّ عدد اكتشافٌ جديدٌ في عالم العلوم، وإجابة علمية على سؤال قد يطرحه أي شخص منكم بالإضافة إلى تجربة بسيطة يمكنكم تنفيذها في المنزل قد تساعدكم على فهم بعض الأمور العلميّة..

جديد العلوم… غلاف قابل للأكل

ربما سمعتم بالمثل الشعبي “أكَلَ البيضة وقشرتها” الذي يُستعمَلُ لوصف شخصٍ أكل كلّ الطعام أو استغلّ كل ما أُتيحَ له. ولكن الأغرب أن يكون بعض الباحثين قد أخذوا من هذا المثل فكرةً لتطوير غلاف جديد للمنتجات الغذائية قابل للأكل! ففي أغلب المراكز التجارية، تصل معظم الأطعمة مغلّفة بأكياس بلاستيكية غير قابلة للتدوير ممّا يزيد من نسبة النفايات غير القابلة للتحلل وبالتالي المضرّة بالبيئة. ذلك بالإضافة إلى أنّها رقيقة فهي لا تحمي المأكولات من التلف. ونزيد على ذلك أنها مواد متحدّرة من البترول أي مهدّدة بالنفاد، كما يُشتبه بتسرّب بعض المواد الناتجة عن تفكّك الغلافات البلاستيكية إلى المواد الغذائية. ولمعالجة هذه القضايا، يعمل بعض الباحثين حاليًّا على تطوير مواد للتعبئة والتغليف مصنوعة من بروتينات الحليب لتكون بذلك صالحة للأكل. وقد عرض الباحثون نتائج اختباراتهم في المؤتمر الثاني والخمسين بعد المائتين للجمعية الكيميائية الأميركية. وقد جاء في محاضرتهم أنّ الغلاف الذي يحتوي مادة الكازيين -وهي من أهمّ بروتينات الحليب- يحمي المواد الغذائية من تسرّب الأكسجين من الهواء بفعالية أكبر من الغلافات البلاستيكية. هذا بالإضافة إلى أنّه من الحليب أي قابل للتدوير دون ضرر بالبيئة وأنّه من المواد المسماة “مستدامة” القابلة للتجدّد. وقد أضيف إلى البروتينات مواد أخرى لزيادة جودة هذا الغلاف وذلك عبر جعله مانعًا للحرارة والرطوبة. فلا ندري، قد يكون هذا الغلاف في الأسواق قريبًا فاستعدّوا!

وجهة نظر… علمية

عندما ترفع البصمات

تُعتبر البصمات من الأدلة التي يبحث عنها التحرّيّون عند معاينة مسرح الجريمة للتعرّف على المشتبه بهم. وبما أنّها ليست دائمًا واضحة، يلجأ المحققون غالبًا إلى التقنيات الكيميائية من أجل إظهارها حتى يتمكّنوا من رفعها وضمّها إلى ملف التحقيق. وهناك عدد كبير من التقنيات التي يمكن استخدامها للقيام بذلك. لكن أدعوكم إلى التعرّف على واحدة من الأكثر شيوعًا. إنّ بعض بصمات الأصابع تنتج عن زيوت الجسم التي تطبع على الأسطح الصلبة بعد ملامستها. وتكون هذه البصمات غير مرئية فتستخدم تقنيات مختلفة لجعلها مرئية ومن أبرزها مساحيق مؤلّفة من صبغة ومادة للتماسك. فعندما يُرشّ المسحوق على الأسطح، تتصل المواد بالبقايا الرطبة والدهنية للبصمات، فتظهر البصمات واضحة ومتماسكة وملوّنة بسبب الصبغة التي غالبًا ما تتألّف من الكاربون والألمينيوم والزنك والنحاس.

جربها بنفسك! سيارة بأجنحة

هل أنتم من متابعي رياضات السرعة والـسبـاقـات؟ هـل تـتـابـعـون سـبـاقـات السيارات؟ هل دقّقتم قبل ذلك بشكل تفاصيل سيارة الفورمولا 1؟ هل لاحظتم أنّ لها أجنحة؟

راقبوا سيارة الفورمولا 1 وكيف صُنعت بدقّة، وراقبوا كيف أنّ أغلب أجزائها هي على شكل مسطّحات منحنية بالاتّجاه المعاكس لأجنحة الطائرة. ولكن لماذا؟ الجواب سهل وبسيط: لأن الطائرة صُنعت لترتفع في الهواء، أمّا سيارة الفورمولا 1 تسير على الطرقات وينبغي تثبيتها كي لا تطير!! إنّ الأمر يعتمد على ديناميكية الهواء حول الأجنحة والتي تفسرّها معادلة الفيزيائي برنوللي “Bernouilli”.

إنّ سيارة الفورمولا 1 هي سيّارة سباق فينبغي تخفيف وزنها قدر الإمكان. إلا أنّ السرعات التي قد تصل إليها -300 كلم/ساعة تقريبًا- قد تؤثّر على ثبوتها على الطريق. لذا قام مهندسو السيارات بتطوير أجنحة هدفها جعل السيارة ثابتة على الطريق. شكل هذه الأجنحة يشبه أجنحة الطائرة ولكن مقلوبة. هذا الشكل يجعل الهواء، عندما تسير السيارة، أسرع في أسفل الجانح من الهواء في أعلاه. وبناءً على معادلة برنوللي فإنّ ضغط الهواء ينقص عندما تزداد سرعته، لذلك يكون الضغط على الأجنحة، وعلى السيارة عامّة، باتّجاه النزول.

إذًا الأمر كله يتعلق بالديناميكية الهوائية حول هذه السيارات. إن مبدأ ثبات إطارات هذه السيارات على الطريق هو نفسه المبدأ الذي يساعد القوارب على الإبحار في يوم عاصف. فمنذ زمن طويل ابتكر البحارة العرب حلًّا لذلك بتغيير شكل الأشرعة وجعلها بشكل مثلث يشبه شكل الأجنحة. لكن على خلاف جناح الطائرة الذي يسبّب الارتفاع، فإن وضع الأجنحة في السيارات يزيد الضغط الذي يولده الهواء على هذه الأجنحة ومن ثَمَّ يصبح ضغط السيارة للأسفل فتصبح أكثر ثباتًا عند سيرها بسرعات عالية.

يمكنكم أعزّاءنا القرّاء القيام بتجربة تطبيقية عن ديناميكية الهواء وانخفاض ضغطه مع زيادة سرعته:

قم بقصّ ورقة مستطيلة بطول 20 سم وعرض 4 سم تقريبًا.

امسكها على مستوى أدنى بقليل من فمك، من إحدى الجهتين ذات العرض 4 سم.

قم بالنفخ في الهواء الذي يحاذي فمك.

تلاحظ كيف أنّ الورقة ترتفع… وليس هذا إلا بسبب تدني الضغط عند زيادة سرعة الهواء إثر النفخ، فيصبح بذلك الضغط من الأسفل أقوى منه من جهة الأعلى. عندها ترتفع الورقة!! نعم هكذا ترتفع الطائرة وهكذا تُثبّت السيارات في الطريق.█