الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين.
أما بعد، فإن كلامنا في هذا المقال عن تجهيز الميت المسلم، وهو فرض كفاية، وهو يحصل بأمور أربعة ألا وهي غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ولكل منها أقل يحصل به الواجب وأكمل. وأمّا المخاطب بتجهيز الميت المسلم فهو كل من علم بموته، فإن فعله أحد ممن علم بموته سقط الحرج عن الباقين وإلا أثموا كلّهم.
فإذا مات شخص مسلم يُبدأ بغسله، وأقله يحصل بإزالة النجاسة إن كانت على بدنه وتعميم جميع بشره أي جلده وشعره وإن كان كثيفًا مرة واحدة بالماء المطهّر، ولا يجب لهذا الغسل نية بل تسنّ. والسنة في الغسل أن يُجعل الميّت على شىء مرتفع كلوح أو نحوه، وأن لا يحضره غير الغاسل ومعينه والولي الذي هو الأولى بالغسل، فيوضئه الغاسل كوضوء الحيّ ويُسوّكه ثم يبدأ بصب الماء البارد على رأسه ثم يصبّ الماء ليغسل شقّه الأيمن ما أقبل منه أي من جهة الوجه ثم شقّه الأيسر كذلك ثم يحرّفه على شقّه الأيسر ويغسل شقه الأيمن من خلف ولا يكبّه على وجهه ثم شقه الأيسر من خلف، هذا الترتيب أفضل. ثم حين يغسله يجعل في الغسلة الأولى ماء مع سِدر ونحوه ثم ماء صافٍ ثم ماء مع شىء من كافور بحيث لا يغيّر الماء كثيرًا، يفعل هذه الصورة ثانيًا وثالثًا. والسِّدر هو شجر له ورق يطلع منه ثمر يُؤكل وهو نافع جدًا لفكّ السحر وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي تولّين غسل ابنته زينب أن يجعلن في غِسلها سِدرًا، فإذا لم يوجد سِدر فالخطميّ، وهو شجر من الأشجار التي هي صغيرة الحجم يؤخذ أصلها أو ورقها ينظف مثل الصابون، زهره إلى بياض. وبعد ذلك ينشّفه تنشيفًا بليغًا بحيث لا يترك عليه بلل ويليّن مفاصله. ويسنّ أن يغضّ الغاسل بصره عن غير عورته، وأما عن عورته فواجب أن يغضّ بصره. ويسن تبخير بالطيب من وقت موته إلى انقضاء غسله.
وبعدها يوضع للتكفين وأقل الواجب فيه ما يستر جميع بدنه، والأفضل أن يكون الكفن ثلاث لفائف للذكر وهي خرق تُنشر ثم يوضع عليها الميّت وللمرأة قميص وخمار وإزار ولفافتان، فالقميص ما يستر أغلب الجسم والخمار ما تغطي به المرأة رأسها والإزار ما يلبس للنصف الأسفل. والتكفين بالثلاث واجب لمن يُكفّن من ماله ولا دين عليه مستغرِقٌ أي يأكل له كلّ ماله بأن ترك تركة زائدة على دَيْنه أو لم يكن عليه دَيْن أصلًا ولم يوص بتركها ولو لم يملك سوى هذه الثلاث. والأفضل البياض وأن تكون جديدة وأن يذر عليه الحنوط لأنه يشد البدن ويدفع الهوام وأن يوضع على منافذه القطن.
بعد ذلك يؤخذ للصلاة عليه وهذه الصلاة أي صلاة الجنازة شفاعة للمُصلَّى عليه معناها يا رب اغفر له وارحمه. وأقلّها -أي من غير أن يكون فيها سنن- يحصل بالنية مع التكبير، فيكبّر المصلّي وينوي بقلبه أن يصلي صلاة الجنازة على هذا الميّت إن كان حاضرًا، والتعيين فرض ويشترط لصحة هذه الصلاة القيام أي لا بد من ذلك إن قدر. ثم يقرأ الفاتحة بعد تكبيرة الإحرام ثم يقول: الله أكبر اللهم صلِّ على محمد، والأكمل اللهم صلِّ على محمد إلى آخر الصلاة الإبراهيميَة ثم يقول: الله أكبر، ثم يدعو للميت بنحو اللهم اغفر له وارحمه، والأكمل الدعاء المأثور وهو: “اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذَكَرِنا وأُنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيِه على الإسلام ومَنْ توفَّيته منّا فتوفّه على الإيمان”، وهذا ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قاله في الصلاة على بعض الموتى، كما رواه الترمذي وغيره. ثم يقول: الله أكبر السلام عليكم، والأكمل هو أن يعود إلى الدعاء ولو أطال في ذلك ويسلّم. وأكمل السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأخيرًا يؤخذ للدفن وأقلّه حفرة تكتم رائحته بعد طمّه من أن تظهر وتحرسه من السباع أن تنبشه وتأكله. أمّا أكمله فهو أن يكون القبر واسعًا يسع من ينزله ومعينه وأن يكون قدر قامة وبسطة وهي أربعة أذرع ونصف بذراع اليد ولو للطفل. ويسنّ أن يلحد له لحد أي أن يشقّ له في جانب القبر شقّ إن كانت الأرض صُلبة أي شديدة وأن يشقّ له شقّ في الرخوة أي اللينة. ويسن أن يُسلّ أي يُدخل إلى القبر برفق من قِبَل رأسه بعد وضعه عند رجل القبر وهو الموضع الذي سيصير عند قدمي الميّت لأنه الأسهل في دفنه وأن يقول الذي يلحده: بسم الله وعلى مِلّة رسول الله، ويجب توجيهه للقبلة بأن يضجع على جنبه الأيمن أو الأيسر لكنّ إضجاعه على الأيسر خلاف السنّة فهو مكروه. ويسنّ إسناد وجهه ورجليه إلى جدار القبر وظهره بنحو لَبِنة ويحوّل صدره إلى القبلة. ويسنّ أن يقال عند إتمام الدفن: يا عبد الله ابن أمة الله -ثلاث مرات- اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأنك رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا وبالقرءان إمامًا، فإن منكرًا ونكيرًا يقول أحدهما لصاحبه: انطلق بنا ما يقعدنا عند رجل لقّن حجّته. وأما للأنثى فيقال: يا أمة الله ابنة أمة الله.
هذا كلّه للمسلم أما الكافر الأصلي غير الذمي فلا يجب له شىء من ذلك والمرتد كذلك، وهو الذي قطع الإسلام بانتمائه لدين من الأديان التي هي غير الإسلام أو بأن سبّ الله أو سبّ نبيًّا من الأنبياء أو فعل غير ذلك من الكفريات إن مات ولم يرجع عن كفره إلى الإسلام بالشهادة فليس له شىء من ذلك فلا يستحق على قريبه المسلم أن يدفنه ولا أن يكفّنه، لكنّه يسنّ أن يفعل به ما يكفي الناس رائحته الكريهة.
والله تعالى أعلم وأحكم.█