هو الإمام العلامة أوحد المتكلمين ومقدم الأصوليين القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي المعروف بابن الباقلاني صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه.
طريقته في المعتقد
كان على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، ومؤيّدًا اعتقاده وناصرًا طـريـقــتـه، سـكـن بـغـداد، وصـنـف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره، وكان في علمه أوحد زمانه وانتهت إليه الرياسة في مذهبه، وكان موصوفًا بجودة الاستنباط وسرعة الجواب، وكان كثير التطويل في المناظرة مشهورًا بذلك عند الجماعة.
ثناء العلماء عليه
ذكر القاضي عياض أبا بكر الباقلاني في “طبقات الفقهاء المالكيّة” فقال: هو الملقب بسيف السنّة ولسان الأمّة، المتكلّم على لسان أهل الحديث وطريق أبي الحسن الأشعريّ وإليه انتهت رياسة المالكيّين في وقته. وقال ابن عمار الميورقي: كان ابن الطيب مالكيًا، فاضلًا متورعًا، ممن لم تحفظ له قطّ زلّة، ولا نسبت إليه نقيصة. وكان يلقب بشيخ السنة ولسان الأمة، وكان فارس هذا العلم مباركًا على هذه الأمة. وقال أيضًا: كان حصنًا من حصون المسلمين.
فضله وعلو قدره في العلوم
يقول أبو عمران الفاسي: رحلت إلى بغداد وكنت قد تفقهت بالمغرب والأندلس عند أبي الحسن القابسي وأبي محمد الأصيلي، وكانا عالمين بالأصول. فلما حضرت مجلس القاضي أبي بكر ورأيت كلامه في الأصول والفقه، والمؤالف والمخالف، حقرت نفسي وقلت: لا أعلم من العلم شيئًا ورجعت عنده كالمبتدئ.
وقال أبو عبد الله الصيرفي: كان صلاح القاضي أكثر من علمه، وما نفع الله هذه الأمة بكتبه وبثّها فيهم إلا بحسن نيته واحتسابه بذلك -أي طلبه الأجر من الله-.
وفي تبيين كذب المفتري أن الخلال كان يقول: كان ورد القاضي كل ليلة عشرين ترويحة، ما ترك ذلك في حضر ولا سفر، وكان كل ليلة إذا صلى العشاء وقضى ورده، وضع الدواة بين يديه، وكتب خمسًا وثلاثين ورقة تصنيفًا من حفظه. وكان يذكر أن الكتابة بالمداد أسهل عليه من الكتابة بالحبر. فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صنفه في ليلته وأمره بقراءته عليه وأملى عليه الزيادات فيه.
من مناظراته
وجّهه عضد الدولة سفيرًا عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع كبار علمائهم بين يدي ملكها. منها ما ذكره الذهبي في ترجمة أبي بكر الباقلاني: أنه سار رسولًا عن أمير المؤمنين إلى طاغية الروم، فجرت له أمور منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة -هو باب صغير ضمن باب كبير لا يتمكن الإنسان من دخوله إلا أن يحني رأسه- ليدخل راكعًا للملك ففطن لها القاضي فدخل بظهره.
ومنها أنه قال لراهبهم: كيف الأهل والأولاد؟ فقال الملك: مه! أما علمت أن الراهب يتنزّه عن هذا؟ فقال: تنزّهون راهبكم عن هذا ولا تنزّهون رب العالمين عن الصاحبة والولد.
ومنها أن راهبهم سأله: كيف جرى لزوجة نبيّكم؟ -يقصد التوبيخ والتعريض بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما اتهمت السيدة عائشة بالزنى- فقال: كما جرى لمريم بنت عمران وبرّأهما الله لكن عائشة لم تأت بولد، فأفحمه.
من تصانيفه
ترك الباقلاني عدة مصنفات منها: “إعجاز القرءان” و”الإنصاف” و”مناقب الأئمة” و”دقائق الكلام” و”الملل والنحل” و”هـدايـة الـمـرشـديـن” و”الاسـتـبـصار” وغيرها الكثير.
وفاته
توفي القاضي أبو بكر يوم السبت لتسع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة كما حكاه الخطيب. وصلّى عليه ابنه الحسن ودفن في داره ثم نقل إلى مقبرة باب حرب.