يُعتبر التقويم التربوي مفهومًا واسعًا جدًّا في مجال التربية. و”التقويم التربوي”، هو مصطلح أوسع بكثير من مجّرّد الاختبارات أو الامتحانات التي يخضع لها الطلّاب في نهاية مرحلة من تحصيلهم العلمي بغية تقويم ما تعلّموه. فهو يشمل تقويم الطالب للعمليّة التربويّة ولتقويم أداء المعلّم، لتقويم الطالب لنفسه… ولكنّنا في هذا المقال سنتطرّق لمسألة الاختبارات وشفافيّتـها في اختبار ما قام الـمُدَرّس بتعليمه حقيقةً للطلاب. فمن منّا لم يسمع تكرار الشكوى “درسنا شيئًا وأتى في الامتحان شىءٌ آخر” أو “نفهم ما يجري في الصفّ ولكن الاختبارات تأتي مختلفة”… وغيرها من الشكاوى الشبيهة والتي دفعت عددًا من الطلّاب، على سبيل الفكاهة، أن يطلقوا الشعار التالي على غرار المثل الشهير “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”: “ما كلّ ما يدرسه الطالب يفهمه تأتي الامتحانات بما لم تحتوِ الكتب”. وما ذلك إلا للتعبير عن انزعاجهم من ابتعاد الأهداف الـمُستهدفة في الاختبارات عن الأهداف التي درّب الأستاذ طلّابه عليها خلال الحصص التعليميّة. هذه الإشكاليّة التربويّة تُطرَح على طاولة البحث بقوّة إذ إنّنا لا نجد مواصفات موحَّدة للأهداف الـمُتوقّع من الطالب اكتسابها في كلّ درس من الدروس، فيستنسب كلّ مدرّس ويعمل البعض بحسب ما يراه مناسبًّا من جعل مستوى الاختبارات أعلى من مستوى العمل الصفّي بكثير ظنًّا منهم أنّ ذلك يرفع من مستوى التحدي لدى الطلّاب ويؤهّلهم لخوض الامتحانات الرسميّة بنجاح… ولكنّهم لا يعلمون أنّ ذلك قد يُسبّب الإحباط لبعض التلاميذ، ولا يعلمون أيضًا أنّه يوجد أُسس ومعايير علميّة، مبنيّة على أبحاث في مجالَي التربية والتعليم، ينبغي أن توضع على أساسها أسئلة الاختبارات حتى تشكّل تقويمًا واقعيًّا لما تمّ شرحه… فهي ما سُميّت بـ”اختبار” أو “امتحان” إلا لأنّ من شأنها اختبار وامتحان الطالب فيما تعلَّمه!!

 مراحل الاختبار الخمسة

تمرّ عمليّة الاختبار بخمسة مراحل وهي: الإعلان عن الاختبار، وإعداد الاختبار، وإجراء الاختبار، والإصلاح، ومتابعة النتائج وتحليلها وتقديم توصيات وتوجيهات ومقترحات مستقبليّة. ولكلّ من هذه المراحل مسوّغات وأسس. لذلك فإنّ الاختبار لا يقتصر على اختيار تمارين “أعجبت المُدرِّس” من كتاب أو دليل.

  الإعلان عن الاختبار 

يُطلب من المعلّم أن يُعلن مسبقًا للطلاب عن تاريخ الاختبار قبل مدّة كافية للدراسة، وعن وقته، وعن مدّته، وعن مكان إجرائه وعن الدروس المقرّر اختبارهم فيها.

  إعداد الاختبار 

تكون مرحلة الإعداد للاختبار عبر تحديد إجابات واضحة على بضعة أسئلة. وللأسف ترى بعض الأساتذة لا يراعون هذه النقاط فالبعض يضع الأسئلة دون مراعاة الوقت، ودون أن يكون قد حاول حلّها مسبقًا، ويجريها ليكتشف في حينه أنّ بعض الأهداف تتطلّب وقتًا أكثر ممّا توقّع فيحتار بكيفيّة معالجة المشكلة، ويدفع التلاميذ في كثير من الأحيان ثمن تقصير الأستاذ في ضبط هذه الأمور. والأسئلة التي ينبغي أن يحدّد إجابتها الأستاذ في مرحلة الإعداد للاختبار هي:

ولقد ساعد “تصنيف بلوم” ” taxonomy’Blooms” في حصر الإجابة على هذا السؤال الأخير. إذ إنّه قسّم الأهداف المُراد اختبارها إلى ستّة درجات -أو طبقات- موزّعة بحسب هرم يعرف أيضًا باسم “هرم بلوم” ” pyramid’Blooms”. وسنخصّص الجزء الآتي من المقال لتفصيل هذا التصنيف.

  إجراء الاختبار 

هذه المرحلة تتطلّب مسؤوليّة عالية من المراقب، سواء كان الأستاذَ نفسه أو مراقبًا آخر، وذلك لضمان سير الاختبار بجوّ يسوده الهدوء لتأمين تساوي الفرص لجميع التلاميذ، ولكي يُظهِر الاختبار بوضوح تامّ مدى تحقّق الأهداف المبتغاة لدى الجميع.

  إصلاح الاختبار 

تُسمّي بعض المراجع إصلاح الاختبار بـ “تدريج الاختبار” وذلك لأنّ هذه المرحلة تسمح بتحديد الدرجة التي يستحقها المتعلّم على إجابته من خلال موازنتها بنموذج الإجابة الـمُعدّ سلفًا للتصحيح وتقدير الدرجات. وينبغي أن يراعي تدريج الاختبار معايير واضحة يقوم الأستاذ مسبقًا بإعلام التلاميذ بها. مثلًا: اعتماد طريقة واضحة تمامًا في التصليح لا تحتمل اللبس، وتُسهل المراجعة بعدها وذلك عبر وضع علامة “” مثلًا عند موافقة الإجابة وصحتها، وعلامة “X” عند عدم الموافقة وعدم الصحة، وكتابة الدرجة المستحقة بوضوحٍ وفي مكانٍ مُحدّدٍ، بأن يجعل الفرعيات على اليسار والدرجة الإجمالية للسؤال جهة اليمين… أو غيرها من الطرق التي يتّفق عليها الأستاذ مع تلامذته بحيث يُراعي الدقة والكفاءة والنزاهة والموضوعية. لذا لا بد من خطة تدريجية واضحة ومعايير تقويمية ثابتة. فبذلك يكون إعداد الاختبار اختبارًا لمهارة الأستاذ وكفاءته، وإجراؤه اختبارًا لحنكته وحسن تصرفه.

  مرحلة ما بعد الاختبار 

تتضمّن هذه المرحلة متابعة النتائج وتحليلها وتقديم توصيات وتوجيهات ومقترحات مستقبليّة، وذلك عبر إعداد رسمات بيانيّة مثلًا تحدّد تقدّم أو تراجع مستوى كلّ تلميذ، والصفّ ككلّ، وتحضير نشاطات ومستندات من شأنها جبر الخلل وتحقيق الأهداف التي تبيّن عدم تحقّقها من قبل نسبة عالية من التلاميذ، ومن شأنها مساعدتهم على تقويم ذاتهم لاحقًا.

كذلك تتضمّن هذه المرحلة تقويم الأستاذ للاختبار عبر مواصفات وخصائص الجودة وهي الآتية:

– ما يُسمّى “صدق الاختبار” وهو صلاحيته لقياس ما وضع الاختبار لقياسه. إذ إنّ أسئلة الاختبار أحيانًا لا توضع بشكلٍ يُمكّن الأستاذ من القياس الحقيقي لما كان يرمي إليه في مرحلة إعداد الاختبار. وغالبًا يكون هذا الشىء بسبب عدم وضوح الأهداف أثناء وضع الأسئلة.

– الشمول: وهو تغطية الأسئلة لمعظم المادة الدراسية.

– الموضوعية: وهي استقلال النتائج عن الحكم الذاتي للمعلم على المتعلم. ويساعد في ذلك دقّة معايير وأسس التصحيح.

– التنوع: أي تنوع أسئلة الاختبار بحيث تقيس جميع مستويات الأهداف المعرفية ونُفصّلها لاحقًا في “تصنيف بلوم” وتراعي الفروق الفردية.

  “تصنيف بلوم” 

  لمستويات الأهداف 

  المعرفية 

يكون تنوع الأسئلة بتنوع الأهداف وفق مستوياتها المختلفة، وقد صنّف بلوم الأهداف التربويّة في ستّ مستويات هي الآتية:

– المعرفة: ويقصد بها تذكر المادة التي سبق تعلمها ليس إلا.

– الفهم: ويقصد به القدرة على إدراك معنى المادة، ويظهر هذا عن طريق ترجمة المادة من صورة إلى أخرى، أو تفسيرها، أو شرحها، أو تقدير الاتجاهات المستقبلية.

– التطبيق: وهو القدرة على استعمال ما تعلّمه المتعلم في مواقف جديدة ومحسوسة. ويشمل ذلك تطبيق القواعد والقوانين والطرق والمفاهيم.

– التحليل: وهو قدرة المتعلم على تفتيت مادة التعليم إلى عناصرها الجزئية المؤلّفة منها. ويشتمل هذا على تعيين الأجزاء وتحليل العلاقات بينها.

– التركيب: ويقصد به قدرة المتعلم على وضع الأجزاء مع بعضها البعض لتشكيل كل جديد، وقد يتضمن هذا إعداد خطاب أو موضوع أو محاضرة. والنتائج التعليمية في هذا المجال تركز على السلوك التأليفي، وبناء أشياء جديدة.

– التقويم: وهو القدرة على الحكم على الأشياء. وينبغي لهذه الأحكام التي يصدرها المتعلم، أن تستند إلى معايير محددة. وتمثل نتائج التعلم لهذا المجال أعلى مستويات التعلم في المجال المعرفي، لأنها تتضمن عناصر من كافة المستويات السابقة.

تُسمّى المستويات الثلاثة الأولى “المهارات الفكريّة الدنيا” “-lower skills thinking order “، أمّا المستويات الثلاثة الباقية فتُسمّى “المهارات الفكريّة العليا”  ” skills higher- order thinking”.

تستهدف هذه المستويات الجانب المعرفي عبر أفعال معيّنة خاصّة بكلّ مستوى. تساعد هذه الأفعال على صياغة عبارات الأهداف التربويّة بشكل يصف سلوك المتعلم وأداءه الذي يُستدل منه على تحقيق الهدف. فبذلك يكون التركيز على سلوك الـمُتعلّم بدل التركيز على سلوك الـمُعلم. لذلك تُسمّى بالأهداف السلوكيّة التربويّة.

وبناءً عليه ينبغي صياغة أسئلة الاختبارات على أن تبدأ بأحد هذه الأفعال.

إخراج ورقة الاختبار

قد يرى الكثير من الأساتذة أنّ إخراج ورقة الاختبار أمر تفصيليّ، ولكنّه يؤثّر على الانطباع الأوّلي الذي يأخذه الطالب عن الاختبار منذ الثواني الأولى لاستلامه الورقة، حتّى قبل قراءة الأسئلة، فإمّا أن يريح نفسيّته وإمّا أن يزيد من توتّره… الخيار لكم أيها الأساتذة.

إليكم بعض النصائح من أجل إخراجٍ أكثر فاعليّة:

– تضمين ورقة الأسئلة العلامات الخاصة لكل سؤال.

– إذا كانت الإجابة على الورقة نفسها، تخصيص المكان المناسب والكافي لها.

– ترك مسافة بين كل نوع من أنواع الأسئلة.

– محاولة عدم تجاوز كلّ سؤال أكثر من صفحة واحدة.

– ترقيم الأسئلة في الورقة كاملة بشكل متسلسل.

– وضع عناوين لكلّ سؤال تمثّل أساسيّات المادّة الدراسيّة التي يستهدفها.

– وضع توصيف في بداية الاختبار يحدّد عدد الأسئلة والمجموع العام.

هذه أشياء قد نراها بسيطة جدًّا ومنها ما يتطلّب جهدًا أكبر من قِبَلنا، ولكن في كلتا الحالتين قد تُحدث الفرق الكبير لدى التلاميذ. فبعضها يلعب دورًا في العامل النفسي لديهم والذي قد يؤثّر على أدائهم ونتائجهم، والبعض الآخر يلعب دورًا في تحديد المستوى السلوكي- التربوي للامتحان… وكلّ هذه العوامل قد تدفعهم إلى الحكم على صعوبة الاختبار وشعورهم أنّهم يُختبرون بغير ما تدرّبوا عليه. وقد يكون سبب ذلك كثرة الأسئلة ذات الأهداف العالية في “هرم بلوم” في حين لم يتمرّنوا إلّا على أسئلة من مستويات منخفضة من الهرم. من هنا تكمن أهميّة تحديد نسبة الأسئلة التي تتبع لكلّ مستوى من هذا الهرم من مجمل أسئلة الاختبار لكي يكون الأستاذ على دراية بدرجة “صعوبة الاختبار”، ولكيّ يتفهّم شكوى الطلّاب بأنّهم يُختبَرون بغير ما يتدرّبون عليه… فربّما كانت هذه الشكوى واقعيّة.█