بدأ الزوجان الشابان تحضير غرفة الطفل من حين سماعهما خبر الحمل. كلّ شىء أصبح تقريبًا جاهزًا لاستقبال المولود: السرير، خزانة الثياب، الألعاب، الكرسي النقّال… وغيرها من الحاجيّات. ينتظرانه بفارغ الصبر حتّى إنّهما اختارا له الاسم: “حلمي” إن كان صبيًا و”أمل” إن كانت بنتًا لأنّه حلمهما الذي لطالما انتظراه بأملٍ كبير. وها هو يوم الولادة يحلّ ليولد “حلمي”… إنّه صبيٌّ. امتلأ المكان بالفرح والبهجة، إلّا أنّ هذه الفرحة لم تدم طويلًا إذ إنّ “المعاينة الأوّليّة للطفل تظهر أنّه يعاني من مشاكل تحتاج لفحوص مفصّلة أكثر لتحديدها” هكذا أخبرتهما الطبيبة ولكنّها لم تشأ أن تصدمهما في ذلك الوقت بتشخيصها الأوّلي، إذ إنّها رافقتهما طوال أشهر الحمل ورأت الفرحة والبهجة والحماس لاستقبال مولودهما الأوّل. الزوج يُصرّ على معرفة تفاصيل: “ولكنّنا نستطيع معالجته. أليس كذلك دكتورة؟ نستطيع أيضًا السفر به للعلاج في الخارج إن لم نجد العلاج في البلد”. إلا أنّ الدكتورة تؤجّل النقاش: “لنرى ما ستظهره الفحوص التفصيليّة وإلى حينه سنبقي الطفل في المستشفى لأنّه يعاني من مشاكل في التنفّس”. قضى الزوجان أيّامًا عصيبة خاصّةً على الزوجة التي كانت تحتاج للذهاب أكثر من مرّة يوميًّا إلى المستشفى لإرضاع الطفل والاطمئنان عليه. وها هما في عيادة الدكتورة لتلقّي نتيجة الفحوص ومعرفة تشخيص حالة الطفل ليقع الخبر عليهما كالصاعقة: “يعاني حلمي من بعض المشاكل بسبب حمله لمتلازمة داون…”. يعمّ الصمت في العيادة لبعض الوقت. ترتسم الصدمة على وجهي الوالدين، وتجهش الأمّ بالبكاء، أمّا الوالد فيقول: “تعنين أنّ حلمي معاق”؟ فتجيب الدكتورة: “إن شئت سمِّه من ذوي الاحتياجات الخاصّة فابنك مختلف عن غيره ولكنّه ليس متخلّفًا”… وطال النقاش في حينه… ولحلمي اليوم أختٌ وأخٌ يحبّانه ويفرحان بالاهتمام به وبرؤية البسمة على وجهه… يقول الأب: “صحيح أنّ ولادة حلمي قضت على الكثير من أحلامنا في حينه إلا أنّنا تعلّمنا الكثير، تعلّمنا النضج في التعامل وتعلّمنا أن نحبّ أبناءنا ونشفق عليهم مهما كانت حالتهم، وتعلّمنا كيف نحميهم من أذى المحيطين بهم. فأحلامنا في الدنيا، في كثير من الأحيان، لا تتحقّق تمامًا كما نريد ولكنّ “حلمي” نعمة من الله”.

صحيح أنّ حلمي يذهب إلى مدرسة متخصّصة ولا يستطيع القيام بكلّ ما يقوم به إخوته ولكنّه، بفضل وعي والديه واهتمامهما به، في طريقه لاكتساب حرفة يدويّة تخوّله أن يكون شخصًا نشيطًا في المجتمع يفخر به أهله. فما هي المراحل النفسية التي يمرّ بها أهل الطفل ذي الاحتياجات الخاصّة؟ وكيف يتعاملون مع هذه الحالة؟

المراحل النفسية التي يمرّ فيها بعض الأهل

يؤثّر إنجاب طفل من ذوي الاحتياجات الخاصّة على الأسرة بأكملها وليس فقط على الوالدين. فمن اللحظة التي يعرف الأهل بحالة الطفل، تبدأ حياة جديدة تبدأ بنقطة تحول تترافق مع مرورهم بعدة مراحل تمهّد للوصول لتقبّل وضع الطفل وحسن التعامل معه:

المرحلة الأولى “الصدمة”:

تصاب الأسرة بحالة من الصدمة والذهول يرافقها شعور بالفقدان والقلق والبلبلة والخوف الشديد من المستقبل، لأنّ الخبر يأتي مفاجئًا ليبدّد أحلامًا وتوقّعات بناها الأهل خلال أشهرٍ عديدة فيأتي الواقع مغايرًا للتوقّعات.

المرحلة الثانية “الرفض أو الإنكار”:

تتّسم هذه المرحلة بالتشكيك وعدم الثقة بأقوال الاختصاصيين والأطباء، فيبدأ الأهل بالبحث عن مختصين آخرين آملين أنهم سوف يشخصون الطفل بشكل عكسي بالأخصّ أنّ الكلام والتعامل مع الطفل صاحب الاحتياجات الخاصّة قد يُعتبر من المحظورات اجتماعيًّا.

المرحلة الثالثة “الحزن والأسى”:

يقتنع الأهل بتشخيص الأطبّاء والمتخصّصين الذين يُجمعون على تشخيص الحالة إلا أنّ الأهل يمرّون بمرحلة من الحزن الشديد والأسى والألم.

المرحلة الرابعة “بداية التأقلم”:

تتميّز هذه المرحلة بتحوّل في تصرّفات الأهل تجاه الطفل فيعودون للانفتاح على العالم الخارجي ويبدؤون بالبحث عن معلومات عن حالة طفلهم لأجل بناء برامج للطفل تلائم حاجاته، ويعودون للأحلام ولكن ضمن إطار وضعه.

المرحلة الأخيرة “التقبّل”:

يصل إلى هذه المرحلة فقط مَن استمر بالمواجهة دون يأس أو إحباط وبعد أن حصل على مرافقة ودعم من حوله أو من الاختصاصيين. في مرحلة التقبل يتم قبول التشخيص وتقبل وضع الطفل ذي الاحتياجات الخاصة فتصير الأسرة منسجمة ومتكاتفة في رعاية الطفل.

إلا أنّ بعض الأسر لا تمر في كل هذه المراحل حتى النهاية وتبقى عالقة في إحداها، خاصّة وأنّ تقبّل مثل هذه الحالات مرفوض في بعض المجتمعات، فهنالك من يبقى لسنوات في حالة إنكار فنسمعه يقول: “غدًّا يتحسّن” أو “علينا ألّا نخرجه من البيت كي لا يسخر الناس منه” وغيرها من العبارات التي تدل على عدم القدرة على مواجهة المحيطين بحالة الطفل الحقيقيّة. وتتفاقم المشكلة أحيانًا إذا لم تمرّ هذه المراحل بسلام لتؤدّي إلى انفصال الزوجين.

التوصيات للأهل

بناءً على كلّ ما تقدّم نقدّم بعض التوصيات التي من شأنها مساعدة الأهل على تقبّل الطفل ذي الاحتياجات الخاصّة:

– زيادة ثقافة الأهل عن هذه الحالة، إذ إن الجهل بها يعيق تقبل الأسرة وتكيّفها السليم مع التغيّرات الطبيعية التي يسبّبها وجود طفل بمتطلبات استثنائية. وذلك عبر اللجوء لطبيب الأسرة والمختصّين أو حضور دورات تدريبيّة مناسبة والتي من شأنها أيضًا جمعهم بأشخاص ذوي حالات مشابهة قد يساهمون في تبادل الخبرات وتقديم بعض النصائح.

– إعطاء الطفل المزيد من المحبة، والتعامل معه على أنّه قادر على الاعتماد على النفس وذلك عبر اعتماد استراتيجية الدمج مع أطفال آخرين وعبر البحث عن أنسب البرامج والخيارات التعليمية والمهنية والاجتماعية المتاحة لحالة الطفل.

– الانتباه من الحماية المفرطة للطفل. إنّه ولا شكّ يحتاج لرعاية خاصّة ولكن هذا لا يعني منعه من الاختلاط بل لا بد من جعله يعتمد على نفسه لكن مع الإشراف والتوجيه المناسبين.

– تقبل الطفل وعدم الشعور بالخجل من الوجود معه في المجتمع وعدم السماح للآخرين بالسخرية منه وإظهار الجانب الجيد للناس والإضاءة عليه ليقتنعوا أيضًا به ويتقبّلوه.

– تحفيز الطفل عبر البحث عن قدراته الكامنة عوضًا عن التركيز على نقاط عجزه.

في النهاية نلفت انتباهكم لأهمّيّة التوكّل على الله والاستعانة به فلا حول ولا قوة لنا إلا به وعلينا أن نعلم أن مجيء طفل ذي احتياجات خاصة هو ابتلاء من الله، فعلينا بالصبر والثبات وتعلّم حسن التصرّف واستشارة أهل الاختصاص حول كيفيّة التعامل مع هذه الحالات.█