كثيرًا ما تضيع منا الأيام في رمضان، لأننا لم نحسن الاستعداد لها، فلا نشعر بحلاوة الصيام ولا بخشوع القيام، وإنها للحظات غالية ينبغي لكل مسلم ومسلمة ألَّا يدعها تضيع من بين يديه. 

فكن مستعدًّا أخي المؤمن لهذا الشهر، أي مترقبًا مشتاقًا لأيامه ولياليه. تعد أيامه ولياليه التي مضت، تخشى كثيرًا ألا تكمله! ومن أسهل الطرق للوصول إلى ذلك أن تتخيل أن رمضان هذا هو رمضانك الأخير في هذه الدنيا بل شهرك الأخير! فكيف ستكون؟!

 فلنفكّرْ قليلًا ماذا لو لم ندرك رمضان القابل وكنا في مثل هذه الأيام من السنة القادمة تحت التراب، لا يدفع عنا العذاب إلا عملنا الصالح الذي قدمناه ورحمة ربنا، فماذا كنا سنتمنى تلك اللحظة؟ بلا شك العود إلى الدنيا كما نحن الآن والعمل لتثقيل الميزان، فيا نفس أنت في الأمنية فافرحي وجدي واجتهدي!!! فلو كان رمضان هذا هو الأخير فكيف سيكون صيامنا؟ لا شك أننا لحرصنا على أن نؤدي صيامنا على ما أمرنا الله به مع إخلاص النية والإكثار من الذكر وغيره من القربات في نهار الصيام، من تَرْكِ الغيبة والنميمة وغيرها من المحرمات التي يجب اجتنابها في رمضان وغيره، ولأكثرنا من الدعاء، ولكنّا من المسلمين الذين يشغلون قلوبهم وعقولهم وجوارحهم بطاعة الله. ولاجتهدنا في التماس هذا الخير والنور الذي أفاضه الله على عباده القائمين ليلهم والصائمين نهارهم.

 ولو أننا نعلم أن رمضان هذا هو الأخير لنا لتمسكنا بأداء كل الصلوات المفروضة في المسجد جماعة مع رواتب الصلوات، وقيام  الليل بالصلاة وقراءة القرءان بل وختمه في رمضان بقلب خاشع متدبر، راغبين من الله أن يغفر لنا وأن يثيبنا على أعمالنا. ولما كنزنا الأموال لأنفسنا ولا لورثتنا، بل لنظرنا إلى ما ينفعنا في قبورنا، فتصدقنا على الفقراء والمساكين فيه.

فزرع هذه الفكرة في قلوبنا ينبت الخوف والخشية من الله، وتكون ثمرته دافعنا القوي للعمل والبذل والعطاء والتعب في ما يحبه الله تعالى ويرضاه. فما أجمل أن نكون مثل الرجال الذين قال فيهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه: جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة. فحقق هؤلاء الرجال الذين أحبوا الموت وأداموا ذكره المجد والشرف، فمات بعضهم شهيدًا وعاش بعضهم ممكَّنًا في الأرض ولم تكن الدنيا أبدًا في قلوبهم. ذلك لأن في الاستعداد للموت بالعمل الصالح يجعل في قلب المؤمن الشوق للقاء ملك الموت عزرائيل عليه السلام، ورؤية ما أعده الله له من النعيم.

نعم، يمر علينا رمضان وحال الدنيا في تغير واختلاف، وهذه مشيئة الله في خلقه، وسُنَّته الجارية على عباده، فكم من قريب وعزيز من الآباء والإخوان والأحباب كانوا معنا في العام الماضي، وهم الآن في قبورهم موسدين، كأنهم ما عاشوا ولا ساروا ولا ضحكوا، اندرست آثارهم، وما بقي منهم إلا ذكرهم.

أتراهم لو كانوا معنا، فماذا كانوا سيفعلون؟ أتراهم سيضيعون أوقاتهم، أم سيعمرونها في طاعة خالقهم؟ أتراهم سيؤدون ما افترضه الله عليهم؟ أم سيُسوفون أعمالهم؟ أسئلة كثيرة تدور في رؤوسنا عن حالهم وحالنا!! ولنكن على ذكر لقول أبي ذر رضي الله عنه: ألا أخبركم بيوم فقري؟ يوم أوضع في قبري! فإذا كان هذا حال العابد الزاهد الصحابي أبي ذر الغفاري الذي لما تباطأت به دابته وهو سائر إلى غزوة تبوك تركها وسار على قدميه وقطع مئات الأميال، فكيف يكون الحال بالنسبة إلى المقصرين؟!

فرص تتوالى، ومنح تتعاقب، والعمر فرصة، ولا فائدة من الندم إن سكنا القبور على عمر مضى، أو ساعة فاتت، أو فرصة ولت! فلنصح اليوم لنرتاح غدًا ولنركض ونسع للخير ولنعمر ديارنا ونرض ربنا. فما بال من لاحت أمامه الفرص، وما زال في عمره متسع، هل سيصحو من غفلته؟ ويعتبر بمن مضى ويغير من نهجه وسيرته؟ أم سيبقى في غفلته وغيه حتى يفاجئه الموت طارقًا بلا استئذان؟ فهل سنعتبر بمن مضى؟ أم سنجعل أنفسنا عبرة للمقصرين بعدنا؟

فما دامت هذه الفرص بين أيدينا فلنغتنمها، ولنغير فيها أنفسنا، ولنستفد منها قبل أن نندم على ضياعها. فلنؤد الصلاة على أحسن وجه من الإتيان بالسنن والخشوع عند قراءة القرءان، فلا تنطلق أذهاننا هنا وهناك بل لنخشع فيها تمام الخشوع، فتكون قرة أعيننا. ولنجعل صلاتنا أيضًا فرصة للدعاء كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيفتتح صلاته بالدعاء ويكثر من الذكر في الركوع والسجود، ويكثر ويأمر أصحابه بالإكثار من الدعاء في السجود، وذلك لأن في السجود من الخضوع والتذلل لله تعالى الكثير كوضع الجبهة التي يعتز بها الإنسان على الأرض، لا لأن الله ساكن الأرض أو في أي جهة من الجهات معاذ الله من التشبيه والكفر. فما أعظم هذه النعمة التي منَّ الله بها علينا، فقد أدركنا رمضان! وأكرمنا الله بهذه الفرصة التي لم يرزقها كل مؤمن!! فما أطيبه من موسم خيرات وبركات وما أطيبه من شهر نفحات وعطايا. فلنكن من الأذكياء الذين يعرفون قدر النعمة قبل زوالها.

هذا رمضان كغيره من الشهور، سرعان ما تمضي أيامه، وتنطوي لياليه، فهل يسعنا أن نحصّل أجوره؟ فأبواب الطاعات فيه أكثر من أن تحصى، وأنواع القربات أكثر من أن تعد، فهل من مشمر؟ وهل من لاحق بالركب؟ وهل من معمر لساعاته ولحظاته؟

فالحمد لله الذي بمنه بلغنا رمضان. ونسأله تعالى أن يعيننا على الصيام والقيام، وأن يوفقنا للتمام، وأن يحسن لنا الختام، وأن يجعلنا من عتقائه من النيران.  █