روى أبو داود وغيره عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن اللهَ يبعثُ لهذه الأمّةِ على رأسِ كلّ مائةِ سنةٍ من يُجدّد لها دينها“. وهذا الحديث فيه إشارة إلى ما منَّ الله تعالى به على أهل الإسلام من الأئمة الهداة ومن سائر العلماء الأعلام والصالحين الذين جعل الله فيهم من الأسرار وجدّد بهم الآثار وبيّن بهم طريق الحق وردع بهم أهل الزيغ والضلال. وقد ألّف السيوطي أرجوزة ذكر في أبياتها اللطيفة مجدّدي العصور، وفي باب “أعلام المسلمين” هذه السنة نتناول التعرّف على هؤلاء الذين قيل فيهم إنهم بلغوا رتبة المُجدّد. 

 

فمَن هو هذا المجدد؟ تعالوا نتعرف عليه معًا…

التعريف به

هو عمر بن عبد العزيز بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص، الإمام، الحافظ، العلامة، المجتهد، الزاهد، العابد، السيد، أمير المؤمنين حقًّا، أبو حفص القرشيّ، الأمويّ، المدنيّ، ثم المصريّ، الخليفة، الراشد، أشجّ بني أمية.

علو مقامه رضي الله عنه

وُلد عمر بن عبد العزيز بالمدينة وكان وهو غلام صغير يأتي عبد اللّه بن عمر كثيرًا لمكان أمه منه ثم يرجع إلى أمه فيقول: يا أمَّه أنا أحب أن أكون مثل خالي يريد عبد اللّه بن عمر فتؤفّف به ثم تقول له: أنت تكون مثل خالك، تكرر عليه ذلك غير مرة، فلما كَبِر سار أبوه عبد العزيز ابن مروان إلى مصر أميرًا عليها ثم كتب إلى زوجته أم عاصم أن تأتي هي وولدها عمر إليه فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها عبد العزيز إليها فقال لها: “يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به فلما أرادت الخروج قال لها: اتركي هذا الغلام عندنا يريد عمر فإنه أشبهكم بنا أهل البيت، فخلّفته عنده ولم تخالفه. فلما قدمت على عبد العزيز بحث عن ولده فإذا هو لا يرى عمر، قال لها: وأين عمر؟ فأخبرته خبر عبد اللّه وما سألها من تخليفه عنده لشبهه بهم، فسُرّ بذلك عبد العزيز وكتب إلى أخيه
عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، فكتب عبد الملك أن يعطيه ألف دينار في كل شهر. ثم قدم عمر على أبيه بعد ذلك مُسلّمًا عليه فأقام عنده ما شاء اللّه. ثم إنه ركب ذات يوم حمارًا فسقط عنه فشُجَّ في جبهته، فبلغ ذلك الأصبغ بن عبد العزيز وكان غلامًا فضحك لسقوط أخيه، فبلغ سقوطه وضحك الأصبغ منه عبد العزيز فاغتاظ على الأصبغ وقال له: يسقط أخوك فيشج فتضحك سرورًا منك بما أصابه؟ قال: ليس ذلك كذلك أيها الأمير، لم يضحكني شماتة به ولا سرور بسقوطه ولكني كنت أرى علامات أشج بني أمية مجتمعة فيه إلا الشجة فلما سقط وشج سرّني ذلك لتكامل العلامات فيه فأضحكني وهو واللّه أشج بني أمية فسكت عنه عبد العزيز. وعن نافع عن ابن عمر قال: كنت أسمع عبد اللّه بن عمر كثيرًا يقول: ليت شعري مَنْ هذا الذي مِن ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلًا.

وكان عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه ثقة مأمونًا، له فقه وعلم وورع، وكان إمام عدل رحمه اللّه.

صفته رضي الله عنه

ذكر صفته سعيد بن عفير فقال: كان أسمر، رقيق الوجه، حسنه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر نفحة دابة، قد وخطه الشيب. وقال إسماعيل الخطبي: رأيت صفته في بعض الكتب: أبيض، رقيق الوجه، جميلًا، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر حافر دابة، فلذلك سُمّي: أشج بني أمية، وقد وخطه الشيب.

علومه رضي الله عنه

عُني أبوه بتربيته منذ نشأته، فكتب إلى صالح بن كيسان بالمدينة أن يتعاهده ويرعاه.

وقد روى الحديث وتلقى الفقه عن جماعة من الصحابة، منهم أنس بن مالك وعبد اللّه بن عمر ابن الخطاب وهو عمّ أمه كما قدّمنا، وعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، وتلقى من جماعة من كبار التابعين منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسالم بن عبد اللّه بن عمر وغيرهم الكثير.

على هؤلاء العلماء الجهابذة وعلى غيرهم من علماء المدينة تخرج عمر في علوم الدين حتى حذقها وصار فيها إمامًا ضليعًا مبرّزًا، وقال فيه ميمون بن مهـران: “ما كان العلماء عند عمر ابن عبد العزيز إلا تلاميذ” رضي اللّه عنه ورحمه رحمة واسعة.

خلافته العادلة

وَلِيَ عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه الخلافة من سنة تسع وتسعين إلى مائة وواحد للهجرة، بعد وفاة الخليفة ابن عمه سليمان بن عبد الملك، فكان رجلًا زاهدًا في منصب الخلافة، متواضعًا للّه تعالى، ومما جاء عن تواضعه أن شخصًا مدحه في وجهه فقال له: “يا هذا لو عرفت من نفسي ما أعرف منها ما نظرت في وجهي”. وقد أخذ رضي اللّه عنه على عاتقه النظر في المظالم فردّها، وراعى السنن العادلة فأعادها، ومما يُروى عن مالك بن دينار رضي اللّه عنه في عدل عمر بن عبد العزيز أنه قال: “لما وُلي عمر بن عبد العزيز
رحمه اللّه قالت رعاة الشاة في ذروة الجبل: مَنْ هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس؟ قيل لهم وما أعلمكم بذلك؟ قالوا: إنا إذا قام على الناس خليفة صالح كُفّت الذئاب والأُسْد عن شياهنا” رحمه اللّه تعالى وأعلى مرتبته.

آثاره الحميدة في البدع الحسنة

ومما تجدر الإشارة إليه والتنويه به هو أنه رضي اللّه عنه سنَّ في الإسلام سنة حسنة وافقه عليها العلماء ألا وهي تجويفه المحراب في المساجد فهو أول من عمل المحراب، وهو أول من منع مَسَبَّة الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه على المنابر وأمر أن يُقرأ قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾ سورة النحل، إذ كان بنو أمية يأمرون بسبّ الإمام علي رضي اللّه عنه.

وفاته

توفي رحمه اللّه في رجب سنة مائة وواحد للهجرة وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر، ومات وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر في محلة يقال لها: “دير سمعان” بمدينة حمص، رحمه اللّه ونفعنا ببركاته.█