يعتبر الاختصاصيّون أن “تكنولوجيا المعلومات والتواصل في مجال التعليم” من المحاور البارزة في التربية الحديثة فهي تُدرّس من ضمن الموادّ الرئيسة في كلّيّات التربية في الجامعات. فالتطوّر التكنولوجي له أثرٌ كبيرٌ على طلّابنا وعلى حياتهم اليوميّة بعضه “أسود” وبعضه “أبيض…” ولأنّنا لسنا في معرض تقييم هذا التطوّر، ولأنّنا لا نملك منع تأثيره على شبابنا، لماذا لا نترك “سواده” ونـستفيد مـن “بـيـاضه” في خـطّـتـنا التعليميّة؟
لأجل ذلك اخترنا لكم موضوعًا يجعل التكنولوجيا أكثر من مجرّد دعم بصري للعمليّة التعليميّة ولكن يجعل الأدوات التكنولوجيّة وسيلةً ديناميكيّةً في عمليّة التعلّم: إنّها تكنولوجية “التجربة التعليمية المحاكية للواقع والمختبرات الافتراضية” المعروفة باللغة الفرنسيّة باسم: “Simulations pédagogiques et laboratoires virtuels” دعونا نتعرّف عليها وعلى دورها التربوي في المواد العلميّة كالفيزياء والكيمياء…
تعريف بـ “التجربة التعليمية المحاكية للواقع والمختبرات الافتراضية” ودورها التربوي
تتيح الموادّ العلميّة، كالعلوم الــفـيـزيــائــيّة والــكـيـمـيـائـيّة والطبيعيّة، الفرصة لاختبارات كثيرة تساعد على تطبيق المعلومات وربطها بالواقع الملموس. ومن هذه الاختبارات نذكر، على سبيل المثال، الاختبارات الكهربائيّة، اختبارات تشريح بعض الأعضاء “كقلب البقر أو الماعز…” لرؤية وفهم تفاصيله، اختبارات التفاعلات الكيميائيّة… لذلك تسعى المدارس إلى استحداث مختبرات متطوّرة تسمح للتلاميذ بإجراء هذه الاختبارات التطبيقيّة. إلا أنّ التطوّر التكنولوجي سمح للمدارس التي لا تسمح ميزانيّتها باستحداث مختبرات كهذه بالاستعاضة عنها ببرامج هي عبارة عن مختبرات افتراضيّة على جهاز الكمبيوتر. تتيح هذه البرامج للتلميذ إجراء تجارب علميّة محاكية للواقع. فهذه التجارب المحاكية للواقع تقدّم نموذجًا لنظام واقعي يمكن التحكّم به عبر الآلة: مثل نموذج مرسمة الذبذبات “oscilloscope” والذي يمكن البحث عنه وعن أمثاله عبر محرّكات البحث وتنزيله على جهاز الكمبيوتر بطريقة سهلة جدًّا ومجّانيّة. أمّا المختبرات الافتراضيّة فهي برامج تتيح تمثيل ونسخ الاختبارات الممكن إجراؤها في المختبر الواقعي ولكن على جهاز الكمبيوتر. في علوم الكيمياء مثلًا نجد البرامج التي تتيح للتلميذ اختيار المحلول الكيميائي ومزج أكثر من محلول مع تقديم المعلومات والشروحات المفصّلة عن كيفيّة استخدامها.
تكمن أهمّية هذه البرامج في أنّها:
- تتيح اختبار الظواهر الخطرة كالتفاعلات الكيميائيّة المُلَوِّثة والتي لا يستطيع التلميذ اختبارها فعليًّا لخطورتها.
- تجعل بعض الأشياء الصغيرة مكبّرة ومرئيّة: مثل التفاعلات والحركات المفترضة داخل خلايا جسم الإنسان…
- تتيح إجراء الاختبارات الباهظة الثمن عبر تمثيلها.
- تتيح إعادة اختبار معيّن عدّة مرات لفهمه أكثر ومن جوانب مختلفة علميًّا، وفي أوقات مختلفة حتّى خارج الدوام المدرسي. هذا الأمر لا تسمح به المختبرات الواقعيّة بسبب الدوام المدرسي وبسبب محدوديّة المواد المتاحة للاستعمال.
- تقدّم بعضها -بحسب المؤلّف- شروحات للقوانين العلميّة والمفاهيم المرتبطة بالاختبارات المتاحة.
ولقد أظهرت دراسة نُشرت في المملكة المتّحدة سنة 2011ر أنّ لهذه البرامج دورًا مهمًّا في:
- ترسيخ تعلّم المفاهيم العلميّة المرتبطة بهذه الاختبارات خاصّة عندما تُستعمل مع الاختبارات الواقعيّة.
- تحسين المهارات الإجرائيّة لدى التلاميذ.
- إشراك التلاميذ في نهج التحقيق “démarche d’investigation” والنهج الاختباري “demarche expérimentale” وهما النهجان اللّذان يُؤهِّلان التلاميذ ليكونوا باحثين في العلوم.
هل تلغي هذه البرامج دور الأستاذ؟!
يصعب أن تلغي هذه البرامج دور الأستاذ أي أن يترك التلميذ وحده مع بعض البرامج، لأنّ الأبحاث أظهرت أيضًا أهميّة ما يلي في اكتساب المهارات السابق ذكرها:
- الربط بين الاختبارات الواقعيّة والافتراضيّة خشية أن يتسبّب تبسيطها وتمثيلها في هذه البرامج باكتسابها بشكل ناقص أو مشوّه من قِبَل التلاميذ.
- في بعض الدروس يكون مجديًا أكثر استخدام الاختبارات الافتراضيّة قبل، وخلال وبعد الاختبار في المختبر.
- أهميّة مناقشة الاختبارات ونتائجها في إطار المجموعة الصفّية وبوجود المعلّم.
من هنا يظهر أهمية دور المعلّم في هذه الاختبارات بخلاف ما قد يظنّ البعض أنّها تغني عنه. فهو الذي ينبغي أن يخطّط لكيفية دمج هذه البرامج، ومكانها في تحضيره. كذلك للوصول إلى الهدف الذي يبتغيه منها ينبغي أن يُحضّر استمارات مرافقة تُساعد على استخدام هذه البرامج وتجعلها تصبّ في هدفه التربوي والأكاديمي.
بعض ما تتيحه المختبرات الافتراضيّة وبعض الأبحاث حولها
تتيح أغلب المختبرات الافتراضيّة عددًا من النوافذ المخصّصة لأهدافٍ مختلفة:
- نافذة لاختيار الاختبار المطلوب “navigation”.
- نافذة لإجراء الاختبار التي تقدّم مساحتين: مساحة التحكّم بالاختبار ومساحة تحليل النتائج.
- نافذة التوثيق: تظهر الصور أو الشروحات التي يقدّمها البرنامج بشكلٍ مرافقٍ للاختبار.
- نافذة الدفتر: تتيح للتلميذ كتابة ملاحظاته خلال إجرائه للاختبار.
- نافذة المساعدة والشروحات حول البرنامج.
إلا أنّ لكلّ برنامج خريطته التي ينبغي للمعلّم والتلميذ اكتشافها بدون خوف. فالأهداف والخدمات العامّة التي تقدّمها كلّ المختبرات الافتراضيّة متشابهة لأنها عُملت للغاية نفسها. فليس عليك سوى البحث عبر محرّكات البحث مثل “google” عن طلبك لتجد عشرات لا بل مئات النتائج التي تختار منها ما يناسبك.
في مهمّتنا كمربّين وليس فقط كمدرّسين نهدف، ليس لإيصال المعلومة فحسب، بل لاكتساب التلاميذ مهارات حلّ المشاكل التي تواجههم، الأمر الذي يتيحه التعليم الاختباري. هنا تكمن أهمّية توسيع تجربة إدخال المختبرات الافتراضيّة في خطّة الدرس لأنّها تقدّم للتلاميذ وسائل للتعلّم بطريقة حديثة وجديدة ومطوّرة ومواكبة لاهتماماتهم التكنولوجيّة.█