في شوارع بيروت القديمة… وقبل عشرات السنين… كنا أطفالًا نمرّ بين دكاكينها… وكان الأهل يصطحبوننا معهم لشراء ثياب العيد… كان الأهل يحكون لنا عن التنافس في الخير في تلك الأيام… قالوا لنا إن البائع منهم كان يدلّ الزبائن على جاره ليشتروا منه إن رآه لم يبع شيئًا بعد… أحدهم كان يقول أنا بعت ما يكفيني لهذا اليوم… جاري بعد لم يمرّ به أحد… لماذا لا أساعده قدر استطاعتي… 

بعدها تغيّرت النفوس كثيرًا… لم نخسر كل الناس الطيبين… الحمد للّه ما زال الخير كثيرًا بين البشر… لكن هناك نفوس ضعيفة تكيد للآخرين وتعمل على إفساد حياتهم ولو بالكذب والخيانة…

سمير ووليد يعملان في بيع ثياب الأطفال… يبعد محل الواحد منهم بضعة أمتار عن محل الآخر…

سمير يقابل الناس بوجه مبتسم… يحادثهم ويعمل على بيعهم بصدق وأمانة… انتشر خبر معاملته الطيبة للناس وأسعاره المقبولة فقصده الكثيرون… فازدهرت تجارته وكبرت وصار عنده أكثر من محل في شوارع بيروت…

وليد كان لا يحسن التصرف مع الزبائن.. يتأفف كثيرًا… إن جادله أحد الزبائن كان يصرخ في وجهه ويطلب منه الانصراف من دكانه… وكان ينظر إلى دكان جاره سمير ويحسده على رواج تجارته وكثرة زبائنه… وبلغ من غيظه على جاره أن صار يعمل على صرف الزبائن عنه بترويج إشاعات تتعلق ببضاعته وكرامته… افترى عليه كثيرًا.. قال عن بضاعته إنها غير جيدة… لكن سيرة سمير الطيبة ومعرفة الناس بأخلاقه دفعت كل التهم عنه… ولم يلتفت الناس لكل ما أشيع عنه…

بعض البشر من أهل الخير وبعضهم يعصون اللّه ويظلمون الناس ولا يخشون اللّه عز وجل…

الظلم ظلمات يوم القيامة… تسمع الكثير من أخبار المجرمين هنا وهناك… قديمًا وحديثًا…

التوبة الصادقة باب لكل خير… القلوب التي تشتغل بالاستغفار… بصدق مع إخلاص النية للّه تعالى… وعد اللّه أصحابها بالرزق والتوفيق في الدنيا والآخرة…

في صلاة الاستسقاء.. أليس يطلب من المصلين التوبة حتى يرزقوا الغيث… ألم نتعلم أن كثرة الاستغفار سبب للرزق… قال تعالى إخبارًا عن سيّدنا نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾ سورة نوح.

سيّدنا يوسف عليه السلام كاد له إخوته… ألقوه في البئر… كذبوا على أبيهم وقالوا أكله الذئب… وبعد ذلك بسنين… صار ليوسف الحكم في مصر وأحضر إخوته إليه، سامحهم وعفا عنهم…

سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام ظلمه بعض أهل مكة… افتروا عليه الكثير… عذّبوا أصحابه وقتلوا بعضهم… ولما عاد إلى مكة منتصرًا قال لأهلها: “اذهبوا فأنتم الطلقاء…” رواه البيهقي.

هكذا كانت أخلاق الأنبياء… الانتصار للحق نعم.. مع الشفقة واللين حيث يتطلب الأمر ذلك…

بعض الأنبياء قُتلوا… منهم من نشر بالمنشار… لكن رغم هذا هم المنصورون لأنهم فازوا بالجنّة.. أما من ظلمهم فمصيرهم إلى النار…

حتى نحقق حلمنا برؤية أيام كأيام المسلمين الأوائل لا بد من التمسك بديننا… بكتابنا… بسنّة نبيّنا صلى الله عليه وسلم… عندها ترفع الغمة إن شاء اللّه وتعود أيام المسلمين كما كانت… وليس ذلك على اللّه بعزيز…█