الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد النبيّ الأمّي الأمين، وعلى آله وصحبه الميامين، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

أما بعد فإنّه يجب الإيمان بوجود النار وبأنّها مخلوقة الآن كما يُفْهَم ذلك من الآيات والأحاديث الصحيحة، قال اللّه تبارك وتعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)﴾ سورة البقرة، ومن شأن الـمُعَدّ أن يكون موجودًا، وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: “واطلعتُ في النار فرأيتُ أكثرَ أهلِها النساء” رواه البخاري، وقد حصل ذلك في ليلة الإسراء والمعراج، أي رأى عليه الصَّلاة والسَّلام مثال ما سيكون عليه الحال في الآخرة. 

والنّار هي مكان أعدّه اللّه لعذاب الكفّار الذي لا ينتهي أبدًا وبعض عصاة المسلمين من أهل الكبائر، ومكانها تحت الأرض السابعة من غير أن تكون متّصلة بها أي أن الأرض السابعة عالَم مستقل والنارُ تحتها عالَم مستقل، والدليل على ذلك ما قاله الحافظ أبو عبد اللّه الحاكمُ النيسابوري في المستدرك: إنَّ ذلك جاءت فيه روايات صحيحة.

والنار هي نار حسيّة عذابها شديد كما جاء في كتاب اللّه تعالى وثبت في حديث
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  وإنَّ نار الدنيا مهما اشتدَّت لا تزيد عن جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، وقد ورد في الحديث: “أُوقِدَ على النار ألفَ سنة حتى احمرّت، ثم أُوقد عليها ألفَ سنة حتى ابيضّت، ثم أُوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداءُ مُظلمة” رواه الترمذي وغيره. ويتعذّب فيها من يدخلها بالروح والجسد ففيها آلامٌ حسيّةٌ، والدليل على ذلك آياتٌ منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ﴾ سورة النساء/56.

ومما ورد في شدّة حرّ‌ِها وزمهريرها ما رُوي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “اشتكت النار إلى ربّها فقالت يا ربّ‌ أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسَيْن نَفَسٍ في الشتاء ونَفَسٍ في الصيف فهو أشدُّ ما تجدون من الحرّ وأشدُّ ما تجدون من الزمهرير“.

ويزيد اللّه تعالى في حجم الكافر أي إذا صار في النّار ليزداد عذابًا بزيادة الحجم الذي يلاقيه العذاب حتى تكون سماكة جلده اثنين وأربعين ذراعًا ويكون ضرسه كجبل أحد، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “إنّ غِلَظَ جِلْدِ الكافرِ اثنانِ وأربعونَ ذِرَاعًا، وإنّ ضِرسَهُ مثلُ أُحُدٍ، وإنّ مَجلسَهُ مِنْ جهنّم كما بين مكةَ والمدينة“. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما بين مَنكِبَي الكافر مَسِيرةُ ثلاثةِ أيّام للراكبِ المُسرِع“.

وطعام أهل النّار من ضريع وهو شجر كريه المنظر كريه الطعم كريه الرائحة، قال اللّه تعالى: ﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ (7)﴾ سورة الغاشية. ومن طعام الكفّار أيضًا الزَقُّوم، وقال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)﴾ سورة الدخان. وهذه الشجرة منظرها قبيحٌ جدًّا ورائحتها كريهةٌ جدًّا لكن هم من شدّة اضطرارهم ومن شدّة جوعهم وحرمانهم يأكلونه وهم له كارهون، ملائكة العذاب يطعمونهم من هذا، قال اللّه تعالى: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)﴾ سورة الصافات. وكذلك يأكل أهل النار من الغِسلين، قال اللّه تعالى: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ (37)﴾ سورة الحاقة، والغِسلين هو ما يسيل من جلود أهل النّار لأنّه كلّما أنضجت جلودَهم النارُ يُكسَون جلودًا غيرها فيها رطوبة ليستمر عليهم العذاب.

وأما شراب أهل النار فهو الماء المتناهي في الحرارة قال اللّه عزّ وجلّ: ﴿إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)﴾ سورة النبإ، والحميم هو الماء المتناهي في الحرارة، والغَسّاق هو ما يسيل من جلود أهل النار، ملائكة العذاب يسقونهم من هذا فتتقطّع أمعاؤهم.

وثياب الكفّار من نارٍ كما أخبر اللّه عزّ وجلّ بقوله: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)﴾ سورة الحج.

وقد خلق اللّه في جهنم لتعذيب الكفّار حيّات وعقارب تلسع الكافر اللسعة فيجد حموها -أثر سمّها- إلى أربعين سنة كما ورد في حديث الإمام أحمد وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

والنّار مخلوقة أي لها بداية إلا أنّه لا نهاية لها فلا يطرأ عليها خراب أو فناء، لأنّ اللّه تعالى شاء بقاءها أما من حيث ذاتها فيجوز عليها الفناء عقلًا. والكافر خالد في النّار أبدًا لا يخرج منها ولا يحيا فيها ولا يموت ولا يُرفع عنه العذاب، أي لا يحيا حياةً طيّبة هنيئة فيها راحة ولا يموت فيرتاح من عذابها حتى إنّه لا يخفّف عنه العذاب حتى مجرد تخفيف كما قال ربّنا عزّ وجلّ: ﴿لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيى (74)﴾ سورة طه، وكما قال سبحانه: ﴿وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾ سورة فاطر/36، وكما قال تبارك وتعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ سورة النساء/169.

الردّ على من قال بفناء النّار

ادّعى بعض الناس أنّ النّار تفنى وينتهي عذاب الكفار فيها وهذا مخالف لصريح القرءان والسنّة الثابتة المتّفق على صحتها ولإجماع الأمّة، أما الأدلة على بقاء النار واستمرار عذاب الكفار فيها بلا انقطاع إلى ما لا نهاية له من القرءان فكثيرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (65)﴾ سورة الأحزاب، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (68)﴾ سورة التوبة، وقال تعالى: ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)﴾ سورة البقرة، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)﴾ سورة النساء، وغيرها من الآيات الكثيرة.

وأمّا الدليل من الحديث الصحيح الثابت فما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: “يقالُ لأهل الجنّة يا أهلَ الجنّة خلودٌ لا موتَ، ولأهل النّار يا أهلَ النّارِ خلودٌ لا موتَ“. وأيضًا من الأدلة ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: “إذا صارَ أهلُ الجنّةِ إلى الجنّةِ وصارَ أهلُ النّارِ إلى النّارِ أُتي بالموتِ حتى يُجعلَ بين الجنّة والنّار ثم يُذبحُ ثم يُنادي مُنادٍ يا أهلَ الجنّةِ لا موتَ، يا أهلَ النّارِ لا موتَ، فيزدادُ أهلُ الجنّةِ فرحًا إلى فرحهم ويزدادُ أهلُ النّار حُزْنًا إلى حُزْنهم“.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ما نصّه: “قال القرطبي وفي هذه الأحاديث التصريح بأنّ خلود أهل النّار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة، كما قال تعالى: ﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾ سورة فاطر/36، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ سورة السجدة/20، فمن زعم أنّهم يخرجون منها وأنّها تبقى خالية أو أنّها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه أهل السنة” اهـ.

وأما الإجماع فهو منعقد على بقاء الجنّة والنّار وقد ذكره الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في رسالته “الاعتبار ببقاء الجنّة والنّار” فذكر أنّ اعتقاد المسلمين هو أنّ الجنّة والنّار لا تفنيان وأنّ ذلك معلوم من الدّين بالضرورة وأنّ من خالف ذلك فهو كافر بالإجماع.

ثواب من استجار من النار

عن مسلم بن الحارث بن مسلم التميمي أنّه حدّثهم عن أبيه أنه قال: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: “إذا صلّيتَ الصبحَ فقُل قبلَ أن تتكلّم: اللّهم أجرني من النّار سبع مرات، فإنّك إن مُت من يومِك ذلك كتبَ اللّهُ لكَ جِوارًا من النّار، فإذا صلّيتَ المغربَ فقُل قبلَ أن تتكلّم: اللّهم أجرني من النار سبعَ مرات، فإنّك إن مُتَّ من ليلتك كتبَ اللّهُ لكَ جِوارًا من النار“.

واللّه تعالى أعلم وأحكم.