يروى أن رجلًا قدم إلى بغداد ومعه عقد من الحلي يساوي ألف دينار، فأراد بيعه فلم يتمكن من ذلك. 

فجاء إلى عطّار موصوف بالخير والديانة والورع فقال له: هل أستطيع أن أودع عندك هذا العقد؟ وافق العطار وقال له: لا تخف هو عندي أمانة. 

فقال الرجل: أنا ذاهب لأداء فريضة الحج وعندما أعود آخذ منك العقد. 

فقال العطار: نعم، هو أمانة عندي حتى تعود.

ذهب الرجل وحج واعتمر ثمّ اشترى هدية للعطار وعاد إلى بغداد. فلما وصل إلى متجر العطار سلّم عليه وأعطاه الهدية فقال العطار: من أنت ومن يعرفك؟!

فقال الرجل: أنا صاحب العقد!

فقام العطار ورفسه برجله وألقاه على الطريق!

فاجتمع الناس ولما علموا بالأمر قالوا عن العطار: ويلك هذا رجل صالح فما وجدت من تكذب عليه إلا هذا؟!

فتحيّر الرجل صاحب العقد، ثم صار يتردّد عليه ويطالبه بالعقد مرارًا وتكرارًا فما زاده العطار إلا شتمًا وضربًا.

فذهب هذا الرجل الصالح وقلبه يعتصر من الألم، فلقيه رجل فقال له: لو ذهبت إلى أمير بغداد وشكوت له لربما حصل لك من فراسته خير. فكتب قصته وأرسلها إليه. فأرسل خلفه وسمع منه القصة كاملة، فقال له: اذهب غدًا واجلس بقرب دكان العطار ثلاثة أيام حتى آتي إليك.

في اليوم الرابع، فإذا وقفت وتكلّمْتُ معك فلا تردَّ عليّ ثم إذا انصرفت أعد سؤالك عن العقد على العطار ثم أعلمني بما يقول لك.

ففعل الرجل ذلك… فلما كان في اليوم الرابع جاء أمير بغداد في موكبه العظيم، فلما رأى الرجل وقف الأمير وألقى عليه السلام وبادره بالكلام فما كان من الرجل إلا أن ردّ عليه السلام فقط ولم يتجاوب معه في الحديث.

فقال الأمير: يا أخي تقدم إلى العراق ولا تأتينا ولا تعرض علينا حوائجك!

فقال له: هكذا حصل. ولم يزد على كلامه شيئًا. والعسكر واقف بأكمله، فانذهل العطار وأيقن الموت وقرّر إعادة العقد لصاحبه بعدما خاف أن يبطش به الأمير. فلما انصرف الأمير التفت العطار إلى الرجل وقال له: يا أخي متى أودعتني هذا العقد، وفي أي شىء هو ملفوف؟! فذكّرني لعلّي أتذكر…

قال الرجل: صفته كذا وكذا… فقام العطار وفتّش ثم فتح جرابًا -كيسًا- وأخرج منه العقد وقال: لقد كنت ناسيًّا لو لم تذكّرني ما تذكّرت!!! فأخذ الرجل العقد ومضى إلى الأمير وأعلمه بما جرى.