الحمد للّه ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول اللّه تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)﴾ سورة الإسراء.
إن الإسراء والمعراج من معجزات رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، أما الإسراء فثبت بنصّ القرءان والحديث الصحيح فيجب الإيمان بأنّه صلى الله عليه وسلم أسرى اللّه به ليلًا من مكّة إلى المسجد الأقصى، وقد جاء في تفسير الآية ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ أن السَّبْح في اللغة معناه التباعُد ومعنى سَبّـِح اللّه تعالى أي بَعِّدْهُ ونزّهه عما لا ينبغي.
وقوله تعالى: ﴿لَيْلًا﴾ إنّما قال ليلًا، مع أنّ الإسراء لا يكون إلا في الليل لأنّه أراد به تأكيد تقليل مدّةِ الإسراء فإنّه أُسريَ به في بعض الليل من مكة إلى الشام.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ قيل بالثمار والأنهار، وقيل لأنّه مقرُّ الأنبياء ومهبط الملائكة، لذلك قال إبراهيمُ عليه السلام في ما أخبر اللّه تعالى عنه في القرءان: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)﴾ سورة الصافات، أي إلى حيثُ وجَّهني ربّي، أي إلى بَرّ الشام، لأنّه عرف بتعريف اللّه إيّاه أنّ الشام مهبط الرحمات وأنّ أكثر الوحي يكون بالشام وأنَّ أكثر الأنبياء كانوا بها.
وقوله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا﴾ أي ليرى من العجائب والآيات التي تدلّ على قدرة اللّه تعالى.
لقد أجمع أهلُ الحقّ على أنّ الإسراء كان بالروح والجسد وفي اليقظة.
وقد كانت تلك المعجزةُ العظيمةُ في السنة الخامسة قبلَ الهجرة، فقد جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلًا إلى مكة وهو نائم ففتح سقف بيته ولم يهبِط على من في البيت، لا تراب ولا حجر ولا شىء آخر.
وكان النبيّ حينها في بيت بنت عمّه أمّ هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب في حيٍّ اسمُه أجياد، كان هو وعمُّه حمزة وجعفر بن أبي طالب نائمين، والرسول كان نائمًا بينهما فأيقظه جبريل ثم أركبه على البُراق خلفه وانطلق به. والبُراق دابةٌ من دواب الجنة، وهو أبيض طويل يضع حافرَه حيث يصل نظرُه، وانطلق به البُراق حتى وصلا عند الكعبة حيث شُقَّ صدره من غير أن يُحِسَّ بألم ثم أعيد كما كان وذلك بعد أن غُسل قلبه وملئ إيمانًا وحكمة، كل هذا إعدادًا للأمر العظيم الذي يستقبله، ثم انطلقا حتّى وصلا إلى أرض المدينة فقال له جبريل: “انزِل” فنزل فقال له: “صلّ ركعتين”، فصلَّى ركعتين. ثم انطلق فوصل به إلى بلد اسمها “مَدْين” وهي بلد نبيّ اللّه شعيب فقال له: “انزل فصلّ ركعتين” ففعل، ثم مثل ذلك فعل في بيت لحم، حيث ولد عيسى ابن مريم عليه السلام. وفي هذا دليل على جواز التبرك.
ثم أتى بيتَ المقدس فربط البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخل المسجد الأقصى فصلّى بالأنبياء إمامًا، اللّه جمعهم كلّهم له هناك تشريفًا له.
رحلة المعراج
ثمّ عرج به إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة بها من الحُسن ما لا يستطيع أحد من خلق اللّه أن يصفه، ومن حسنها أنّه يغشاها فراشٌ من ذهب، وأوراقها كآذان الفيلة وثمارها كالقلال، وهناك رأى نبيّنا صلى الله عليه وسلم سيّدنا جبريل عليه السَّلام عند سدرة المنتهى، فدنا جبريل من نبيّنا صلى الله عليه وسلم لشدّة شوقه إليه صلى الله عليه وسلم حتّى كان ما بينهما قدر ذراعين أو أقل، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)﴾ سورة النجم، جبريل عليه السلام هو الذي علّم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو شديد القوى ذو المرّة، وهو الذي دنا من النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ورأى رسول اللّه البيت المعمور وهو بيت مشرّفٌ، وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض، كلّ يوم يدخله سبعون ألف ملك يصلّون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبدًا، ثمّ وصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ أي صوت جري القلم على صحائفهم، ورأى عليه الصلاة والسلام الجنّة وهي الدار التي أعدّها اللّه لتنعيم المؤمنين، ومكانها فوق السماء السابعة ورأى فيها الحور العين ورأى العرش، والعرش هو جرمٌ كبيرٌ خلقه اللّه تعالى وجعله سقف الجنّة. وقد خلق اللّه تعالى العرش إظهارًا لقدرته ولم يتّخذه مكانًا لذاته كما أخبر سيّدنا عليٌّ كرّم اللّه وجهه، وذلك لأنّ عددًا عظيمًا من الملائكة يطوفون حول العرش، وإذا أرادوا الصلاة يصلّون إليه كما نطوف حول الكعبة ونصلّي إليها فإذا نظروا إليه ورأوا عظيم حجمه سبّحوا اللّه وازدادوا على يقينهم يقينًا بعظيم قدرة اللّه سبحانه كما قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)﴾ سورة الزمر.
وكان ذهابه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المسجد الأقصى وعروجه إلى أن عاد إلى مكة في نحو ثلث ليلة، فأخبر الكفّار فلم يصدّقوه وكذّبوه واستهزؤوا به فتجهّز ناسٌ من قريش إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك يزعم أنّه قد جاء بيت المقدس ثمّ رجع في ليلة واحدة فقال أبو بكر: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدّقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟ قال: نعم إنّي أصدّقه بأبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السماء اﻫ فبها سمّي الصدّيق رضي اللّه عنه.