أكتب في الصفحة الثانية من يومياتي لهذه السنة، وأتناول موضوع تربية الأولاد بما أنني أختبر شعور الأبوّة حاليًّا لا من فترة طويلة، وبما أنّني أعيش هذه التجربة للمرة الأولى، وبما أنّني أعيش في زمن الأطباء الإلكترونيين وزمن اختصاصيي الأطفال الفيسبوكيين، فإنّني أكثر من القراءة والبحث عما هو الأفضل لطفلتي من كل الجهات. “افعل كذا ولا تفعل كذا”، “أطعمها هذه الأغذية وابتعد عن هذه الأطعمة”، “أثبتت دراسات كذا وتشير إحصاءات كذا”. لكن ما يلفتني أكثر هو معدل الفيتامينات المطلوب وجودها في الغذاء الذي أعطيه لابنتي، فأنا أولي هذا الأمر اهتمامًا كبيرًا طبعًا لينمو جسدها بطريقة سليمة ولكي تصلها كل الفيتامينات المطلوبة. 

لكن هذا الباب في مجلّتنا العزيزة ليس مخصّصًا للصحة ولا حتى للأسرة والأطفال، وإن سبب كتابتي لهذا المقال في الدرجة الأولى هو النقص الكبير الذي يواجهه أطفال هذا الجيل من أحد أهمّ الفيتامينات، ألا وهو الفيتامين “ل”. قد يبدو هذا الفيتامين غريبًا عن اختصاصيي التغذية لكن المصدر الوحيد لهذا الفيتامين ليس الفواكه وليس الخضار وليس أي نوع من أنواع الأطعمة إنّما المصدر الرئيسي لهذا الفيتامين هو الأم والأب.

مرادي بالفيتامين “ل” أو الفيتامين “لا” هو القدرة على القول لا لطفلك في اللحظات المناسبة وفي المواقف الملائمة، وللأسف الكثير، الكثير من الأطفال في مجتمعنا عندهم نقص في الفيتامين “لا” وللأسف المجتمع بأكمله صغارًا وأهلًا يدفعون ثمن هذا النقص من هذا الفيتامين. صحيح أنّنا نريد لأبنائنا أن يكونوا سعداء وأن لا يكونوا محرومين من الأشياء التي يحبّونها، لكن تلبية رغبات الأطفال بشكل متكرّر وعدم حرمانهم أو عدم قول “لا” لبعض الأشياء التي يريدونها يقود إلى نوع خاص من أنواع الإدمان. إن أحد التأثيرات الكبيرة لهذا النوع من الإدمان هو تزايد طلبات الأطفال في الحصول على أشياء متعدّدة وكلما لبّينا رغباتهم اتسعت آفاقهم وكبرت رغباتهم أكثر فأكثر وهنا نصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها تلبية مطالبهم من خلال الدخل المحدود للأهل.

وهناك تأثير آخر خطير جدًّا وقد يكون أخطر من الذي قبله، وهو أنّ افتقار الأطفال لهذا الفيتامين يؤدي بهم إلى الاعتياد على الحصول على كل ما يريدونه من دون أن يتعبوا ومن دون أن يبذلوا جهدًا وبكل بساطة من دون أن يسعوا لتحقيق ما يريدون. باختصار إنّ الأطفال الذين يعانون من نقص الفيتامين “لا” يأخذون ما يريدون من أهلهم عن طريق الأنين والتطلب والتلاعب بمشاعر الأهل، وتربية الأولاد على هذا المنوال يعرضهم في مرحلة المراهقة والشباب إلى مشاكل عديدة إذ إنّهم معتادون في صغرهم على الحصول على ما يريدونه لكن الحال لن يبقى كذلك في مرحلة المراهقة والشباب خاصة في المرحلة الجامعية وما بعدها. ففي الجامعة العلامات لا تشترى إنّما تحصل عليها مقابل جهدك.

في المقابل فإنّ تربية الأولاد على الحثّ  على عمل الصَّواب والالتزام بالأخلاق الحسنة من غير انتظار مقابل ماديّ على هذا يغرس فيهم غرسًا حسنًا، ولا بأس أن يكافأ الولد في بعض الأحيان ببعض ما يطلبه وهذا يساعد غالبًا في أن يكونوا أعضاء فعّالين في المجتمع. “ادرس وائتني بالمعدلات العالية حتى تحصل على هديتك آخر السنة”، “أطيعي أمك وساعديها في مهام المنزل حتى أجلب لك اللعبة التي تريدين”. الجائزة مقابل الفعالية والأداء. لا أريدكم أن تفهموا من كلامي أنني أدعو إلى حرمان الأولاد من رغباتهم كلّها إنّما الذي أريد قوله إنّ المرء في هذه الحياة عليه أن يكون أمره بين أمرين: حزم في لين. لا أن يكون حازمًا في كلّ الأوقات فيحصل على طفل مكبوت يفجر طاقاته في المجتمع ولا أن يلبي طلبات الطفل في كل الأوقات فيصل إلى النتيجة التي نتحدث عنها في هذا المقال.

الحياة قاسية، وتزداد قساوة مع مرور الزمن، أنا لا أدّعي أنّني أفقد  الحنان أو أنّني ألعب دور الأب القاسي مع ابنتي لتعويدها على الاخشيشان، لكنّني أرى المجتمع من حولي وأعي أنّ الواقع اليوم ذاهب إلى مزيد من الخطورة، لذلك أريد لابنتي أن تكون على قدر المسؤوليّة وأن تكون واعية وقويّة بما فيه الكفاية لمواجهة هذا المجتمع الصعب.

إعداد محمد حلاوي