قطار الذكريات يمرّ بالواحد منا على محطات كثيرة… منها ما يثير فرحه فيتمنى لو تعود تلك الأيام وتتكرر مرة أخرى… ومنها محطات مؤلمة يحمد اللّه أنها مرّت ويتمنّى أن لا تتكرّر…
نظر خليل إلى وجهه ويديه في المرآة… تذكر وجه أبيه وأمه…وقال في نفسه… لقد صارت ملامحي كملامحهما… نفس التجاعيد بدأت تظهر عندي كما كنت أراها عندهما… الشيب غزا رأسي وصار بلون الثلج الأبيض… نزلت دموعه حين تذكر والديه… دعا لهما بالرحمة والمغفرة… وتمنّى أن تكون أيامه القادمة أفضل مما مضى…
مرّت أيام وأعوام كثيرة… يذكر خليل أيام طفولته… كانت بسيطة جدًّا… لم تكن في تلك الأيام وسائل اللّهو كثيرة كالتي نجدها في أيامنا… الوسائل التي سمّوها بالتواصل… لكنها للأسف أبعدت الكثيرين عن الخير… أيام زمان كانت تجتمع الأسرة على سفرة واحدة…
يتناولون طعامهم، ويتحدثون عن أفراحهم ومشاكلهم… يبث الواحد منهم لأخيه أو لوالديه عن معاناة يمرّ بها… ويبحثون معًا عن حلّ يذهب عن ابنهم معاناته… أما الآن… فهناك كلمة سرّ تخفي وراءها همومًا كثيرةً بثّها صاحبنا لجواله… ويخفيها عن أهله وأصحابه…
لدى الكثير من الناس انطباع أن ما مضى من الأيّام كان أجمل وأحلى من حاضر أيامه التي يعيشها الآن…
ومما يحزنني أن البعض يقول لنا: لماذا تذكرون دائمًا أمجادكم الماضية ولا تحكون عن فرحة بسيطة تعيشها أمتكم في هذه الأيّام… يقول لماذا إن سألتكم عن نصر للمسلمين تذكرون انتصارات خالد بن الوليد وفتوحات عمر ابن الخطاب… وترفعون رؤوسكم بمحمّد الفاتح… وتذكرون كيف فتح اللّه على يديه القسطنطينية… تحكون عن عدل عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز… وأيامنا هذه… انتشر فيها الظلم والعدوان والقهر للضعفاء…. كثر القتل والتهجير وذبح الأبرياء… يقول صاحبنا… أخبرني عن فرحة يعيشها المسلمون في هذه الأيام… ماذا حصل للأمة… ألا يوجد شبيه لأحد العظماء الذين مرّوا في تاريخ المسلمين..
يؤلمني هذا الكلام… ويؤلمني أكثر الواقع الذي نعيشه… في ما مضى من أيام كان هناك الكثير من الرجال همّهم خدمة الدين ورفع راية التوحيد… بذلوا الغالي والنفيس لنصرة الحق وقهر الباطل… ففتحت أمامهم البلاد… ورفعوا الظلم عن العباد… وحقّقوا الكثير من الانتصارات… أما في هذه الأيام… فالرجال كثر وصار يفوق عدد رجال الماضي… لكن الهمم ضعفت… وزاد حب الدنيا عند أكثرهم… ترك بعضهم طلب العلم… وبعضهم تهاون في أمر الصلاة والصيام وغيرها من أمور الدين… حتى صار الواحد منهم لا يهتم بما يحصل حوله… يرى الظلم والفساد ويسكت… لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر…
وتوالت النكسات هنا وهناك… ونهض البعض ليغيّر هذا الحال… هم يعلمون أن النصر والفرح يحتاجان لرجال كأمثال الصالحين الأوائل…. فانتشروا يعلّمون الناس أمور دينهم… عملوا على إنارة الطريق لكي يرحل الظلام… جهدهم كبير وحرصهم شديد لكن الباطل والظلم المنتشران يحتاجان لعدد أكبر من هؤلاء الناس الذين قاموا بأمور لإصلاح مجتمعهم المليء بالفساد والضياع…
اختلف الرجال واختلفت الأحوال… في الماضي كانت نفوس الكثيرين تتقبل الحق وتترك الباطل بنصيحة بسيطة وكلمات قليلة… أما الآن وبسبب كثرة انتشار الأفكار الضالة بين بعض الناس… فقد صار المطلوب من الدعاة إلى الخير أن يكونوا أكثر استعدادًا لمجابهة كل تلك الأفكار المنحرفة…
العمل في الدعوة إلى اللّه يحتاج لصدقٍ وإخلاصٍ وحرصٍ على تعليم الناس أمور ديننا بمحبة ولطف وتواضع مع الابتسام وبشاشة الوجه. هكذا كان أهل الحق قديمًا لذلك ينبغي على الدعاة هذه الأيام أن يتبعوا نفس الطريق بنفس الأسلوب…
لكل واحد منّا فترة مضت من عمره لا ينساها مرّت وانقضت… وهو الآن يعيش حاضره بأفراحه وأتراحه… من يا ترى تعلّم من التجارب التي مضت من عمره ليحسن أمور حاضره وينعم بشىء من الراحة في مستقبله…