تتعدّد العوامل المؤثّرة على تركيز الأطفال، ومن أول ما يبدأ التأثير على ذلك ما نأكله. ولا يقتصر ذلك على الأكل فقط بل يتعدّاه ليصل إلى ما نتنشّقه مع الهواء من تلوّث ومواد كيميائيّة، وإلى العادات السيّئة ومنها الاستخدام المفرط للهواتف والتلفاز وغيرها من الشاشات… كلّها عوامل أقلّ ما تؤدّي إليه تشتيت انتباه أطفالنا وزيادة حركتهم. إلّا أنّ هذه المشاكل قد تكون آنيّة عابرة بسبب ظروف معيّنة يمرّ فيها الطفل، فتحلّ ما إن تعود ظروف حياته إلى طبيعتها، وقد تكون مشيرة إلى أنّ الطفل يعاني من “اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه”. فما هو هذا الاضطراب، وما هي أعراضه؟ ما هو مدى انتشاره وكيف نتعامل معه؟
تعريف “اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه”
في حالات معيّنة نرى أن معدّل حركة الطفل يخرج عن العادة. بعض هذه الحالات تكون مؤقّتة والبعض الآخر يكون مرضيًّا يتطلّب تدخّلًا طبّيًّا وعلاجيًّا للحدّ منه. هنا أهميّة عدم التسرّع بالتشخيص لكي لا نُعرّض جسم الطفل لأدوية وأشياء هو بغنًى عنها.
بحسب الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة-النسخة الخامسة الصادرة سنة 2013 “DSM-5TM” والذي تنشره الرابطة الأمريكيّة للطب النفسيّ “APA”:
اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه هو نمط مستمر من قلّة الانتباه أو فرط النشاط غير المُتحكَّم به بحيث يعيق العمل أو التطوّر، ذو أعراض تظهر في مكانين أو أكثر “على سبيل المثال في المنزل أو المدرسة أو العمل، مع أصدقاء أو أقارب، وفي أماكن أخرى”، ويؤثّر مباشرةً على الأداء الاجتماعي والأكاديمي أو المهني. لتشخيص هذا الاضطراب ينبغي أن توجد العديد من الأعراض قبل سن الثانية عشرة.
انطلاقًا من هذا التعريف، ومن التصنيف الطبّي لهذا الاضطراب، لتحديد التشخيص ينبغي:
- أن تظهر على الطفل ستّة أعراض أو أكثر لمدّة لا تقلّ عن ستّة أشهر لدرجة أنّها تؤثّر على مستوى النمو وتعيق بشكل مباشر الأنشطة الاجتماعية والأكاديمية أو المهنية للشخص.
- وجود الجزء الأكبر من الأعراض قبل سنّ الثانية عشرة.
- ظهور الأعراض في مكانين أو أكثر، ليس فقط في المنزل أو المدرسة أو الحضانة أو العمل لأنّ ظهور الأعراض في مكان واحد فقط قد يكون سببه المحيط أو ظروفًا معيّنة لا تناسب الطفل أو من ظهرت عليه هذه الأعراض.
- وجود أدلّة واضحة على أن هذه الأعراض تتداخل مع -أو تقلّل من جودة- الأداء الاجتماعي والأكاديمي أو المهني.
بعض أعراض هذا الاضطراب
لا تقتصر أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه على الحركة والنشاط المفرط وعدم القدرة على الاستقرار لفترة طويلة في سكون، بل تتعدّاه إلى تشتّت في الانتباه. فالطفل يستقبل كل المؤثّرات الحسيّة بنفس الحساسيّة، ولهذا يلفت نظره كل ما يدور حوله. ولا يستطيع تركيز انتباهه، أو التفريق والتمييز بين المهم وغير المهم. فعلى سبيل المثال إذا كان جالسًا في الصف يحاول التركيز على حديث المعلم ومرَّ أحد المعلمين أمام الباب أو تحرك أحد الطلاب أو ظهرت أصوات من بعيد، فإنّه لا يستطيع مواصلة الانتباه والتركيز بل يحدث لديه تشتّت وتحول في انتباهه، بينما أطفال آخرون يستطيعون إهمال هذه الأشياء غير المهمّة ومواصلة التركيز على المهم. ولهذا يكون ذهن هذا الطفل كالذي يسمع المذياع الذي يبثّ من 10 محطات في لحظة واحدة.
كذلك من أعراضه الاندفاعيّة وعدم التفكير بردّات الفعل، والتقلب في المزاج وعدم القدرة على إكمال العمل المناط.
نسبة انتشار هذا الاضطراب
يعتبر اضطراب فرط الحركة وضعف التركيز من الحالات المنتشرة في جميع أنحاء العالم إذ إنّ نسبة الإصابة به تتراوح بين %3 و %6 حسب تقديرات الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسيّة في طبعته الرابعة. وتؤكد أبحاث حديثة على أن نسبة البالغين المصابين به لا تقل عن %3.
ولقد لوحظ أنّ نسبة الإصابة بالحالة تختلف حسب شروط التشخيص. ففي دول أوروبا وبريطانيا يشترط وجود الأعراض الثلاثة الرئيسة للمرض مجتمعة للحصول على التشخيص لذلك تبلغ نسبة الإصابة به %5. أمّا في أمريكا فلا يشترط وجود الأعراض الثلاثة الرئيسة لذلك تتراوح النسبة بين 10 إلى %20 تقريبًا. أمّا في الوطن العربي فلا توجد إحصائيّات تدلّنا على هذا الموضوع.
كيفيّة التّعامل مع الطفل الذي يعاني من هذا الاضطراب
يتطلّب تشخيص “اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه” رأي اختصاصي كالطبيب النفسيّ وهو الشخص المخوّل وصف دواء أو رسم استراتيجيّات علاجيّة للحالة. ولكن للأهل والأشخاص المحيطين بالطفل كأساتذته وغيرهم الدور في التعامل المناسب معه.
يُطلب من الأهل والمعلّمين تحديد القواعد والقوانين التي تحكم سلوك الطفل فالأسلوب المتّبع في توضيح هذه القواعد وشرحها للطفل له تأثير كبير على كيفية استجابة الطفل. فإذا لم تكن تلك القواعد مفهومة وواضحة بالنّسبة له قد لا يستجيب للموقف بطريقة ملائمة. وإن احتاج الأمر يمكن إعداد لائحة مكتوبة لهذه القوانين ومعلّقة في مكان يتردّد فيه الطفل خلال يومه.
من المواقف التي ينبغي التطرّق لها بقواعد محدّدة: ما ينبغي عمله عند الاستيقاظ من النوم، الحديث ومخاطبة الآخرين…
كذلك يُطلب من الأهل أو المعلّمين التأكّد من الآتي خلال عمليّة التواصل مع الطفل:
- التأكّد من أنّ الطفل ينظر إليكم أثناء تلقيه الإرشادات، وبالتالي فإنّه يتلقّى بالفعل المعلومات التي تريدون إيصالها له.
- التكلّم بصوت طبيعي وواضح.
- ينبغي أن تكون التعليمات مباشرة وأن تتركّز على ما نريد أن يفعله الطفل.
- التأكّد من أنّ الطفل قد تلقّى وفهم ما ألقي عليه من تعليمات وذلك بأن يطلب منه إعادة ما سمعه مثلًا.
إذًا أعزّاءنا القرّاء، لقد قدّمنا لكم فكرة سريعة عن اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه. بالتأكيد، الطبيب أو المعالج المختصّ هو المرجع المخوّل لتقديم التفاصيل الواضحة والأعراض الدقيقة لهذا الاضطراب واضطرابات أخرى. إلّا أنّ هذا المقال يشكّل توعية من شقّين:
أوّلًا: التوعية لوجود اضطرابات تستدعي تدخّلًا واستعانة طبّية متخصّصة.
ثانيًا: عدم التسرّع بالتشخيص لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى مشاكل أكبر.