روى أبو داود وغيره عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن اللّهَ يبعثُ لهذه الأمّةِ على رأسِ كلّ مائةِ سنةٍ من يُجدّد لها دينها». وهذا الحديث فيه إشارة إلى ما منَّ اللّه تعالى به على أهل الإسلام من الأئمة الهداة ومن سائر العلماء الأعلام والصالحين الذين جعل اللّه فيهم من الأسرار وجدّد بهم الآثار وبيّن بهم طريق الحق وردع بهم أهل الزيغ والضلال. وقد ألّف السيوطي أرجوزة ذكر في أبياتها اللطيفة مجدّدي العصور، وفي باب «أعلام المسلمين» هذه السنة نتناول التعرّف على هؤلاء الذين قيل فيهم إنهم كانوا مُجدّدي قرونهم. 

ومن هؤلاء الذين قيل إنهم كانوا مجددين أبو العباس ابن سريج ولمعرفة المزيد عن حياة هذا الرجل العظيم تابعونا في هذا المقال…

التعريف به

هو الإمام شيخ الإسلام فقيه العراقيين أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي القاضي إمام أصحاب الشافعي، شرح كتاب المهذّب ولخّصه وصنف التصانيف وردّ على مخالفي النصوص.

مولده وسماعه العلم

ولد سنة بضع وأربعين ومائتين، وسمع في الحداثة، ولحق أصحاب سفيان بن عيينة، ووكيع. فسمع من الحسن بن محمّد الزعفراني -تلميذ الشافعي- ومن علي ابن إشكاب، وأحمد بن منصور الرمادي وغيرهم الكثير.

تفقّه على أبي القاسم عثمان ابن بشار الأنماطي الشافعي، صاحب المزني، وبه انتشر مذهب الشافعي ببغداد، وتخرّج به الأصحاب.

حدّث عنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو الوليد حسان بن محمّد الفقيه، وأبو أحمد بن الغطريف الجرجاني، وغيرهم.

الباز الأشهب

قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في بيان فضله في كتاب الطبقات: كان من عظماء الشافعيين، وأئمة المسلمين، وكان يقال له: الباز الأشهب، ولي القضاء بشيراز، وكان يفضل على جميع أصحاب الإمام الشافعي، حتى على المزني، وإن فهرست كتبه كانت تشتمل على أربعمائة مصنف، وقام بنصرة مذهب الشافعي ورد على المخالفين، وفرع على كتب محمّد بن الحسن الحنفي.

أبشر أبا العباس إنك ثالث

وكان يقال له في عصره: إن اللّه بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة، أظهر كل سُنّة وأمات كل بدعة، ومَنَّ اللّه تعالى على رأس المائتين بالإمام الشافعي حتى أظهر السُّنة وأخفى البدعة، ومَنَّ اللّه تعالى بك على رأس الثلاثمائة حتى قَوِيت كل سُنّة وضعفت كل بدعة، قال الحاكم: سمعت حسّان بن محمّد الفقيه يقول: كنّا في مجلس ابن سريج سنة ثلاث وثلاثمائة، فقام إليه شيخ من أهل العلم فقال: أبشر أيّها القاضي، فإن اللّه يبعث على رأس كُلّ مائة سنة مَنْ يُجَدّد، يعني للأمة، أمر دينها. واللّه تعالى بعث على رأس المائة عُمَر بن عبد العزيز، وعلى رأس المائتين أبا عبد اللّه الشافعيّ، وبعثك على رأس الثلاثمائة.

رؤياه في المنام أن القيامة قامت

ورد عن بعض أصحاب ابن سريج أنه قال: قال لنا ابن سريج يومًا أحسب أن المنيّة قد قربت فقلنا وكيف؟ قال: رأيتُ البارحة كأن القيامة قامت والناس قد حشروا وكأن مناديًا يُنادي بم أجبتم المرسلين؟ فقلت: بالإيمان والتصديق، فقال: ما سئلتم عن الأقوال بل سُئلتم عن الأعمال، فقلت: أما الكبائر فقد اجتنبناها وأما الصغائر فعوّلنا فيها على عفو اللّه ورحمته، فقلنا له: ما في هذا ما يقتضي سرعة الموت فقال: أما سمعتم قوله: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ –سورة الأنبياء/1. قال: فمات بعد ثمانية عشر يومًا. وممن سمع هذا المنام من ابن سريج أبو بكر الفارسي صاحب عيون المسائل ورواه عنه.

وفاته

توفي ابن سريج رحمه اللّه تعالى سنة ست وثلاثمائة وعمره سبع وخمسون سنة وستة أشهر ودفن في حجرته بسويقة غالب بالجانب الغربي بالقرب من محلة الكرخ وقبره يزار.

والحمد للّه ربّ العالمين.█