الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد ذكر أهل التواريخ أن نبيّ اللّه إبراهيم عليه الصلاة والسلام انطلق بزوجته سارة وابن أخيه لوط فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين وهي بلاد بيت المقدس، فنزلوا حرّان وكان أهلها يعبدون الكواكب السبعة، فقام الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى دين اللّه وترك عبادة الأصنام، وكان أول دعوته لأبيه «آزر» الذي كان مشركًا يصنع الأصنام ويعبدها ويبيعها للناس ليعبدوها فدعاه إلى عبادة اللّه وحده وإلى دين الإسلام بألطف عبارة وبأحسن بيان وبالحكمة والموعظة الحسنة.
لم يقبل آزر نصيحة نبيّ اللّه إبراهيم ولم يستجب لدعوته، بل استكبر وعاند وتوعّد وهدّد ابنه إبراهيم بالشرّ والرجم والقتل!
وكان الكفار من قومه لديهم يوم يحتفلون به، فلما ذهبوا قام سيّدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى البيت الذي فيه أصنامهم وكان يحمل فأسًا بيده، فبدأ بتكسير الأصنام واحدًا تلو الآخر وبقي الصنم الكبير، فأخذ فأسه وعلّقه على الصنم الكبير، حتى إذا رجع قومُه يَظهَرُ لهم أنَّ هذه الأصنامَ لم تستطِع أن تدفع عن نفسها ضُرًّا فكيف تُعبَدُ من دون اللّه القويّ القهَّار.
وكان ملك الكفار يدعى «النمرود»، وكان قد ادّعى الألوهية والعياذ باللّه تعالى. وقد أقام عليه سيّدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجة وألجمه فلم يستطع شيئًا أمام الأدلة والبراهين التي جاء بها سيّدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. عندها أراد النمرود إلقاء سيّدنا إبراهيم في النار. فقام قومه بجمع الحطب من أماكن شتّى، ثم عمدوا إلى حفرة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأضرموا النار فيها، فتأجّجت وعلا لها شررٌ عظيم لم يُرَ مثلها. وكانوا لا يستطيعون الاقتراب منها لقوّة لهبها. فقاموا بصنع «المنجنيق» ليرموه من بعيد. ثم وضعوه عليه الصلاة والسلام في كفّة هذا المنجنيق مقيّدًا ثم ألقوه منه إلى وسط النار.
قال سيّدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: حسبنا اللّه ونعم الوكيل… فجاءه سيّدنا جبريل عليه السلام وقال له: ألك حاجة يا نبيّ اللّه؟ قال سيّدنا ابراهيم: أمّا منك فلا، وأما من اللّه فنعم. وقد جعل اللّه سبحانه وتعالى تلك النار بردًا وسلامًا على سيّدنا إبراهيم فلم تحرقه ولا ثيابه، لأنّ اللّه تعالى هو الذي يخلق الإحراق في النار.
والدليل على ذلك أنّ طائر «السمندل» من عجيب أمره أنه يستلذّ بالنار ويمكث فيها ولا يحترق! والنعامة تستلذّ بأكل الجمر ولا يحرقها!
ولما خبا سعير هذه النار الهائلة العظيمة، وانقشع دخانها وجدوا سيّدنا إبراهيم سليمًا معافى لم يصبه أيُّ أذى فتعجّبوا لأمره ونجاته. ومع أنّهم رأوا هذه المعجزة الباهرة ظلّوا على كفرهم وعنادهم ولم يؤمنوا بنبيّ اللّه إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وقد انتقم اللّه تعالى من النمرود فدخلت حشرة صغيرة من أنفه إلى رأسه ومكثت هناك مدة طويلة والآلام تزداد كل يوم، وكانوا يضربونه بالنعال على رأسه حتى يرتاح، فلا يرتاح وبقي هكذا إلى أن مات.█