منذ أن صرت أمًّا، بدأتُ أحسّ أنّ كلّ الأولاد الذين أراهم حولي كأنّهم ابنتي -حفظها اللّه-، فكما أنّ قلبي ينفطر لرؤيتها مريضة، كذلك أشعر عندما أصادف أو يزورني طفل سمين في العيادة!!! شعور بألم وغصّة في القلب وذلك لأنّني اختصاصيّة تغذية فأخَمّن بما يدور داخل جسده الصغير بسبب هذا الوزن الزائد وخاصة السُّمنة المُفرطة…. السُّمنة المُفرطة، ظاهرة مرضيّة صارت كالوباء، شائعة جدًّا عند الصغار والكبار، وبازدياد مستمّر…
أختي وأخي العزيزين، أيّتها الجدّة الحنون، «ولا مرَّة كانت النّصاحة دليل صحة!!!! مش عطول النصاحة على صغر بتروح شي يطول الصبي أو البنت!!!»
السُّمنة المُفرطة عند الأطفال هي علامة لكثير من الأمراض المزمنة التي تهدّد صحة وحياة طفلك
عندما نتكلّم عن السُّمنة هذا يعني أنّنا نتكلّم عن توزّع الدّهون الزائدة عن المعدّل المطلوب بحسب العمر والطول والوزن في جميع أرجاء الجسم «اليدين والرجلين والبطن…» ولكن أكثر ما يهمُّنا الحديث عنه هي الدهون المتراكمة داخل البطن أي الدهون الحشويّة أو «Visceral Fat» أو ما يسمّى بالعامّية «الكرش».
الدهون الحشويّة تتراكم عميقًا في التجويف البطني، حيث تملأ الفراغات بين أعضاء البطن كالقلب والكبد والبنكرياس والكليتين… خطورتها بأنّها قويّة التفاعل بحيث إنّها تفرز هرمونات ومواد محفّزة للالتهابات تسمّى سيتوكينات «Cytokines».
فمع زيادة محيط الخصر، تزداد خطورة الإصابة بالأمراض، وتعتبر الدهون البطنيّة أو الحشويّة هي السبب الرئيس في ذلك، وهي في ذلك أخطر من الدهون تحت الجلد كتلك الموجودة في الأرداف أو الساعد.
ارتبطت الدهون الحشويّة مباشرة بالمشاكل الصحيّة التالية:
– اضــــطـــرابـات الاســتــقــلاب «Metabolism».
– ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعيّة الدّمويّة.
– السكري بنوعيه الأول والثاني.
– أنواع عديدة من السرطانات.
– الأمراض الجلديّة.
– الأمراض النفسيّة.
– التهاب المفاصل.
– مشاكل التركيز وغيرها.
والخلاصة هي جسد صغير في حالة التهاب مستمر بسبب الدّهون البَطنيّة ما يسبّب له أمراضًا مزمنة على عمر مُبكر!! ثم تبدأ معاناة الطفل والأهل ويلجؤون إلى مختلف الطرق والوسائل لمعالجة ابنهم أو ابنتهم دون الوصول إلى حلّ جذريّ في غالب الأحيان إلّا بالعمليّات الجراحيّة أو الدايت مدى الحياة.
ما هي أسباب السُّمنة عند الأطفال؟
تزايد عدد الأطفال المصابين بالسُّمنة بشكل ملحوظ في لبنان وفي العالم أجمع. فبدأ ناقوس الخطر يدقّ في كثير من الدول وبدأت بعمل الخطط للحدّ من انتشار هذه الظاهرة المرضيّة وحلّها… وقبل أن نتناول الحلول، مهمٌّ جدًّا معرفة لمَ وصل أطفالنا إلى هذه المرحلة المبكية؟
- 1. الأهل: إنّ بيت الطفل يلعب دورًا هامًّا جدًّا في تنشئة الطفل على جميع الأصعدة منها الدينيّة والتعليميّة والتربويّة حتى الغذائيّة والصحّيّة. إن نظرنا داخل بيت الطفل الذي يعاني من السُّمنة لوجدنا في غالب الأحيان أمًّا وأبًا أو أحدهما يعانون من زيادة في الوزن أو السُّمنة المُفرطة.
في أغلب الأحيان يكون الأهل سببًا مباشرًا للسمنة عند أطفالهم:
– إنّ الأهلَ يقدّمون الأطعمة المليئة بما يحفّز زيادة الوزن مثل السكر المكرّر والزيوت الرديئة كتلك الموجودة في «الشبروقة» «تشيبس»، كيك، بسكويت…» بشكل يوميّ وبكمّيات كبيرة خلال النّزهات والمدرسة…. ولا يعتبرونها تُشكِّل أي خطر على صحّة أطفالهم.
– لا تعتمد الأمّ في أغلب الأحيان عادات غذائية سليمة في البيت وفي الطهي بل يكون اعتماد الأسرة على النمط الغربي في الأكل من حيث أنواع الأطباق كالبرغر والنغتس والإسكالوب والبطاطا المقليّة واستعمال الزيوت النباتيّة التّجاريّة بكثرة لتحضيرها…
– وجود الحلويات في البيت بشكل مستمر.
– السهرات الأسريّة والتي تشتمل على أصناف المآكل التي تحدّثنا عنها سابقًا وخاصة التشيبس والمشروبات الغازيّة.
– مكافأة الأولاد بالسكاكر والحلويات مما يؤدي إلى اكتساب عادة غذائيّة سيّئة.
– الابتعاد عن المأكولات المغذيّة والطازجة والفاكهة الطازجة والحليب الطبيعي والمكسرات النيئة والعصائر الطبيعيّة والدهون الطبيعيّة الجيّدة «كالأفوكا» واتّباع النّمط الصحيّ في الطهي.
- 2. المدرسة: تعتبر المدرسة واحدة من الأسباب التي تحفّز زيادة الوزن عند الأطفال بسبب ما تعرضه للبيع خلال وقت الاستراحة. فكثير من المدارس تبيع «الشبروقة» وخاصة أردأها وأرخصها حيث إنها تحتوي على الكثير من السكريّات المكرّرة والدهون المهدرجة من كيك وتشيبس والبون بون والعصائر المعلّبة، ناهيك عن المناقيش والــكـرواسان والــمــشـروبــات الغازيّة…
- 3. انعدام النشاط البدني: في عصرنا هذا بات أطفالنا يجلسون طويلًا ويتحرّكون قليلًا. كسالى لا يحبّون الحركة ولا حتى يلبّون أهلهم إن طلبوا منهم جلب شىء أو الذهاب إلى الدكان بحجّة «ما إلي جلادة، تعبان، عم بتفرّج، مشغول على الفايسبوك» وغيرها من العبارات المألوفة لدى الأهالي. يجلس أولادنا أمام شاشات التلفاز أو الكومبيوتر لساعات وساعات، وغيرها من وسائل التكنولوجيا كالهواتف والأيباد مثلًا للعب أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يخفى أنّ الأهل هم من قدّموا وسمحوا لهم بهذه الأمور. لسنا بصدد التكلّم عن المفاسد الأخلاقيّة والاجتماعيّة التي تترتّب على هذا الأمر إلّا أنّه لا يقلّ أهميّة عن موضوعنا. فالحذر الحذر أهالينا الكرام! وما يزيد الأمر سوءًا هو أنّهم يأكلون الشبروقة أو الحلويات خلال مشاهدة التلفاز أو اللعب بالهواتف وغيرها!
- 4. الإعلانات المغرية الموجودة على الطرقات وعلى شاشات التلفاز والتي تظهر على صفحات الإنترنت: يعتمد أصحاب المصانع الغذائيّة للتشيبس وغيرها ومطاعم الـ «Fast Food» على الإعلانات المغريّة المنتشرة على الطرقات والتلفاز، ودائمًا ما يعملون العروضات لتشجيع الناس لشراء وجباتهم من بيتزا ووجبات كرسبي وبرغر وغيرها، حتى إنّهم يتعمّدون عرضها بطريقة شهيّة جدًّا خلال البرامج الأكثر مشاهدة ممّا يؤثّر على المشاهد ويدفعه لطلبها، وبالتأكيد فإنّ شريحة الأطفال هم هدف بالنّسبة لهذه المصانع والمطاعم. ولا يخفى ما تحتويه هذه الوجبات السريعة من كمّيات ضخمة من الزيوت والنشويات المكرّرة والملح ومحفّزات النكهة وغيرها من الموادّ غير الطبيعيّة ممّا يؤدي إلى زيادة الوزن لدى الصغار والكبار.
إذًا فما هي الحلول وكيف أربّي طفلًا غير سمين؟
– أولًا نبدأ بالأهل الذين هم قدوة أولادهم منذ نعومة أظافرهم، فكما يأكل الأهل يأكل الأطفال. فإنّ أكثر الأهل من أكل المنتجات غير الصحيّة من شبروقة ووجبات سريعة فسيقلّد الولد أهله فينتهي به الأمر طفلًا يعاني من زيادة الوزن ثم من السُّمنة المرضيّة.
– فكما أنّك عزيزتي الأم تعلمين وتشدّدين على طفلك أن ينظّف أسنانه بالفرشاة كلّ يوم مرّة أو مرتين، علّميه أنّ الطعام الطبيعيّ والطازج هو ما يغذّيه ويساعده على النموّ بشكل طبيعي والذي يعينه على تقوية جهازه المناعي وبالتالي محاربة الأمراض. كذلك علّميه أنّ الطعام المصنّع مليء بالمواد الكيماويّة التي قد تؤثّر ضررًا على صحته.
– زيادة الوعي بالنسبة للمدرسة ولمعلّمات الروضات خاصّة. فالطفل بهذه المرحلة يطيع معلّمته ويتأثّر بها أكثر مما يتأثّر بأمّه وأبيه. فيا عزيزتي المعلّمة لا تقدّمي الحلوى لتكافئي الأطفال فهذا لا يناسبهم وقد تفسدين ما تعمل عليه الأم من إبعاد هذه المنتجات المصنّعة عن ولدها…
– من المهمّ أن تتوقّف المدارس عن بيع ما ليس صحيًّا للأولاد لأنّه يؤثّر بشكل مباشر على أدائهم وسلوكهم في الصفّ والبيت، وليستبدل بالسندويشات الصحيّة والعصائر الطبيعيّة والحليب وغيره…
– تعويد الأطفال على الحركة يوميًّا بالركض أو المشي أو نط الحبل أو ممارسة الرياضات التي يحبونها من كرة القدم أو كرة السَّلة أو السباحة.
– الحدّ من مشاهدة التلفاز واللعب بالهواتف وغيرها ممّا ذكرنا.
– شراء المنتجات الطبيعيّة والطازجة من خضار وفاكهة ولحوم وحليب، واعتماد الدهون الجيّدة للطبخ مثل السمن البلدي الطبيعي والزبدة الطبيعيّة وزيت جوز الهند البكر والمعصور على البارد وغيرها…
– ليس شرطًا وجود الحلويات بشكل يوميّ في البيت، بل يستعاض عنها بالفاكهة المغذّيّة كالتين والتمر والزبيب بالإضافة للوز والجوز النيء.
– تعليم الأطفال أنّ الطعام هو مصدر للطاقة وليس للتسلية ولا «لفشة الخُلُق» ولا للتقليل من التوتّر….
– عدم إجبار الأطفال على إتمام وجباتهم بعد الشبع، فهذه عادة غذائية غير مناسبة وتساهم في تكبير حجم المعدة. دعيه يتوقف فورًا عندما يقول: «شبعت».
في الختام، فإن السُّمنة عند الأطفال لها عواقب نفسيّة واجتماعية على الطفل من إحراج وقلّة ثقة بالنّفس، والكثير يتعرّض للسخرية من قبل زملائه. أتمنّى من جميع المعنيّين من أهل ومعلّمين ومديري مدارس أن يأخذوا هذا الموضوع على محمل الجدّ، فالطفل الذي يعاني من السُّمنة المُفرطة يحتاج إلى الدعم على جميع الأصعدة «Environmental Support»، وهذا الدعم ذاته يحتاجه كل طفل وإذا ما حصل هذا الدعم كان بإمكاننا الحدّ من السُّمنة المُفرطة عند الأطفال.█