في عوالم الانستغرام والفايسبوك، تطالعنا صور متنوّعة أكثر من رائعة لأطفال حديثي الولادة، تكاد عذوبتها تذيب قلوبنا. يتفنّن محترفو التصوير بإظهار الأطفال بأبهى حلّة، بلباسهم الجميل ونومهم المحبّب وصغر شفاههم وأصابعهم وبراءة نظراتهم، فتميل إليهم أفئدتنا. نتحرّق شوقًا لنرى أطفالنا، ونرسم في أذهاننا صورًا لهم مشابهة لتلك التي داعبت عواطفنا، خاصة مع الطفل الأوّل، ولا نرى حقيقة التوالد وتربية الأولاد بأكملها إلا بعد أن نخوضها بأنفسنا. صحيح أنّ ولادة الطفل الأوّل من أكثر ما يبهج قلوب الأهل والأقارب، إلّا أنّنا في الغالب لا نكون جاهزين للتعامل مع كل جوانبها لأنّ مجتمعنا لا يخبرنا إلا عن حُلْوها، بيد أنّ فيها ما هو أقلّ حلاوة أيضًا! 

قلّة النوم

في الأسابيع الأولى، يكون الرضيع في دورة من النّوم والاستيقاظ للرضاعة أو لانزعاجه من «الحفاض» أو المغص أو نحو ذلك، فنادرًا ما ينام لأوقات طويلة. هنا تشعر الأم التي لا تأخذ قسطًا كافيًا من النّوم والراحة بإرهاق وإعياء شديدين، وقد تتعجّب أحيانًا من قدرة الطفل على الصراخ المتواصل، خاصّة إن كان يعاني من الارتجاع المزمن الذي يؤلمه في أكثر الأوقات. مع تراكم التعب والإجهاد، تجد بعض الأمهات أنفسهن على حافة انهيار عصبيّ وجسديّ، وهذا ما لم تتوقّعه من تجربة الأمومة التي تخيّلتها سعادة وفرحًا وحبًّا. فما العمل؟

  1. المساعدة! نعم، على الزوج المساعدة في العناية بالطفل وتهدئته كي لا تشعر الأمّ بأنّها في هذه المرحلة وحدها. وذلك بأن نتيح لها المجال لتنام أكثر وترتاح، حينئذ نجدها أكثر قدرة على التعامل مع المواقف المختلفة بهدوء واتزان.
  2. حاولي عزيزتي الأمّ أن تنامي ولو لوقت قصير حين يأخذ صغيرك قيلولته، فغسل الأطباق أو الملابس أو نحو ذلك ليس أولى من راحتك.
  3. اسمحي لمن يعرض عليك المساعدة بأن يساعدك بالطريقة التي تحتاجين إليها، من نحو تحضير الطعام أو الترتيب ممّا يمكن لغيرك أن يقوم به لكي تلتفتي أنت للمهام المحصورة بك فقط كالرضاعة.
  4. تذكري أن أغلب الأطفال يبدؤون بالنوم في الليل لفترات أطول بين الأسابيع الستة والثمانية الأولى، فاصبري إلى أن ينتظم نوم طفلك وتمييز الليل من النهار ويحصل نوع من الروتين.

المسؤوليّة

رعاية طفل صغير يعتمد عليك في كل تفاصيل حياته قد تشعر بعض الأمهات بالعجز أو الضياع أو الخوف. فكيف تطمئن الأم إلى أنّها تقوم بما هو مناسب وتختار خيارات صحيحة؟

اسألي، اقرئي، تعلّمي وثقّفي نفسك. اسألي أهل الاختصاص لتفهمي كيفيّة التّعامل مع المواقف التي تجابهينها. تعلّمي كيف تغسلين طفلك بطريقة آمنة، وكيف تُلبسينه الثياب المناسبة بحيث لا يشعر بحرّ أو برد. جرّبي الأمور بيديك ولا تعتمدي كثيرًا على الغير كي تتعلّمي وتكوني متفاعلة من المراحل الأولى. استمعي إلى حدسك وراقبي طفلك، فأنت الأخبر بطبيعته وأول من يستطيع أن يشعر بأن الطفل غير مرتاح. وفي النهاية، كوني متيقنة أن طفلك أكثر صلابة وتحمّلًا مما تظنين.

وقتك وخصوصيتك

في السنوات الأولى من حياة الأطفال تشعر الكثير من الأمهات، كما الآباء، بفقدان الخصوصية والوقت المتاح لهم للاهتمام بأنفسهم أو القيام بما يحبون. كما يشعر الأزواج بقلة التقارب وبالانشغال عن بعضهم بسبب الأطفال. حتى إن بعض الأمهات يجدن صعوبة في تخصيص الوقت للاستحمام أو يشتكين من أن أطفالهن يرافقونهن إلى الحمام.

خصّصي وقتًا لنفسك. حدّديه في مذكرتك كما تحددين المواعيد الأخرى وخططي لكيفية الحصول عليه، إما بطلب المساعدة من الأسرة أو بالاستيقاظ قبل أطفالك بقليل. الخطوة الأخيرة مهمة جدًّا للحفاظ على الاتزان، فتستحمين براحتك وتمشطين شعرك بهدوء ودون عجلة مفرطة، فتبدئين بذلك نهارك بطريقة أقل توترًا.

خصّصي أيضًا وقتًا تتحدثين فيه مع زوجك، إما بعد نوم الأطفال أو خلال النهار في مكالمة هاتفية. قد يغفل الكثير من النساء عن أهميّة المحافظة على التقارب مع أزواجهن، مما يجعل الزوجة تشعر بالعزلة والوحدة أو حتى الغضب من أنّها لا تجد لنفسها متنفسًا أو مستمعًا لتروّح عن نفسها. قد يشعر الزوج أيضًا بالتهميش وقلّة الاهتمام، فأذكّر الأزواج هنا بأخذ زمام المبادرة في التقارب أيضًا، إذ إن دور الرجل في الحفاظ على الودّ في علاقته مع زوجته كبير ومهم ولا غنى عنه.

تذكري دائمًا، عزيزتي الأم، أن الأوقات التي تقضينها في الإحسان إلى أطفالك وتربيتهم تربية صالحة ليست أوقاتًا تذهب سدى، فإنك ستثابين عليها إن استحضرت إخلاص نيّتك للّه تعالى. وهذه الأوقات كلها إنما هي عابرة، وقبل أن تشعري ستجدين أطفالك قد كبروا وأصبحوا رجالًا ونساء بإذن اللّه، فعسى أن تنعكس مساهماتك في حياتهم خيرًا على مجتمعهم، فتقَرّ عينك حينئذ بما ساهمت به وفيما أفنيت جسدك وصرفت أوقاتك فيه.█