غضب، انفعال، حدّة في ردّات الفعل… باتت منتشرة بشكلٍ كبير بين الناس. إلا أنّ أسباب ظهور هذه الأعراض تختلف من شخصٍ لآخر. قد تكون أعراضًا عرضيّة بسبب ظروف معيّنة يمرّ بها ولكن في حالات أخرى قد تكون أعراضًا مرضيّة. فبعض الأشخاص تجدهم دائمًا غير راضين عن إنجازاتهم وأدائهم وعن تصرّفات الآخرين ولو رأوا تصرّفـًا واحدًا لا يعجبهم ينسون كل الأشياء الحسنة الصادرة منهم ويطلقون العنان للحظة غضب لا بل ثورة على الأشخاص المحيطين بهم… إذا كانت هذه تصرّفات متكرّرة لديكم فقد تكونون ممّن يعانون بما يسمّى الرغبة بالمثاليّة وهي من أهمّ أسباب العصبيّة المفرطة. فما هي أسباب هذا الاضطراب؟ وما هي أعراضه؟
أسباب الاضطراب
يردّ كثير من الأطبّاء ما يسمّى باضطراب المثاليّة والبحث عن الكمال إلى تعامل الأهل مع الطفل. فبعض الأهل، رغبة منهم بحثّ أولادهم على الأفضل، يمرّرون دون أن يشعروا رسائل يتلقّاها الطفل بطريقة قد لا تخطر على البال، إذ إنّه في طور التعلّم فهو لا يعلم سوى الرسائل التي يتلقّاها من أهله… فغالبًا ما يكون الشخص الحامل لهذا الاضطراب ولدًا لحامل الاضطراب نفسه.
تروي رنا معاناتها في إرضاء والدتها بأدائها المدرسيّ والأعمال المنزليّة ولكن دون جدوى: كنت الأولى في صفّي ولكنّني في الوقت نفسه لم أكن يومًا راضيةً عن نتائجي المدرسيّة الأمر الذي سبّب لي الإحباط ودفع زملائي في الصف إلى انتقادي دائمًا لأنّني أظهر عدم الرضى عن نتائج جيّدة جدًّا.
لم تكن والدتي تظهر الرضى عن نتائجي لا بل كانت تؤنّبني لأنّني لم أحصل على علامات أعلى، أو لأنّني لم أحصل على العلامة الكاملة. هذا الأمر دفعني، دون أن أنتبه، لأكون دائمًا غير راضية عمّا أقوم به ودفع بي إلى الإحباط والاكتئاب. ولكنّني عندما كبرت ودخلت مجال العمل اكتشفت نقاط القوّة عندي مقارنةً بغيري، وليس ذلك إلّا تحدّثًا بنعمة اللّه… تعلّمت أن أتعامل مع ما ينقصني بنظرة الطامحة للتحسين بدل نظرة الإحباط ونسيان وإنكار نقاط القوّة عندي. كذلك تغيّرت نظرتي لمن حولي فكنت قبل ذلك أغضب إذا طلبت من شخص أن يقوم بشىء لمجرّد أنّه لم يقم به على الوجه الذي أرغب… الأمر الذي سبّب توتّرًا كبيرًا مع من حولي. ولكن اكتشفت أنّ الأشخاص يختلفون ولا ينجزون جميعهم الأشياء بنفس الطريقة تمامًا… تعلّمت أن أتعلّم منهم ما ينقصني بدل الانفعال لأنّهم لم يقوموا بالأشياء كما أقوم بها تمامًا…
هذه تجربة رنا، ولكن تجربة كثير ممّن يعانون من هذا الاضطراب مشابهة تؤّدي إلى بحث الطفل المستمرّ عن الحبّ، الذي لا يجده لأنّه يلقى دائمًا الانتقاد وقد يتولّد عنه شعور كره الذات لأنه يفسّر الانتقاد المستمرّ بأنّه ليس محبوبًا.
بعض مظاهر ونتائج هذا الاضطراب
يشتهر الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب بتضخيم وتكبير الأشياء البسيطة أو حتّى التافهة، وكأن الدنيا انقلبت. فيما يتعامل الأشخاص الأصحاء نفسيًّا بتوازن، فيفرحون بالعمل الجيّد ويطلبون تصليح الأخطاء مع تقديم المساعدة أو الشرح المطلوب لذلك.
وقد تؤدّي العصبيّة الزائدة تلك إلى جعل الشخص عرضةً للإصابة بأمراض كثيرة قد يكون أخطرها النّوبات القلبيّة المفاجئة. كذلك تؤدّي العصبيّة الزائدة الناتجة عن هذا الاضطراب إلى ضعف المناعة ممّا يجعل الشخص عرضةً لأمراضٍ كثيرة، وتتدنّى قدرته على مقاومة الأمراض بالنسبة للمرء الذي يتميّز بالقدرة على الاسترخاء والثبات الانفعالي.
كذلك تفاقم العصبيّة الزائدة الاكـــتــئاب بــسـبــب الـــذيول الاجتماعيّة المرافقة لها: فهي تجعل الإنسان غير مرغوب فيه اجتماعيًّا، ينفر منه كل من يتعامل معه، فيتحاشاه كل من حوله.
ختامًا أعزّاءنا الأهالي الكرام علّموا أولادكم السعي للأفضل ولكن انتقوا عباراتكم جيّدًا… أيّها القرّاء الأعزّاء اسعوا إلى التخلّص من العصبيّة الناتجة عمّا يسمّى الرغبة بالمثاليّة في كل شىء، فكّروا جيّدًا في أهداف حياتكم وما هي الأمور المهمّة حقًّا بالنسبة إليكم، حدّدوا الأهمّ ثم المهمّ وخلّصوا أنفسكم من الارتباطات التي هي أقلّ أهمّية كي تتخلّصوا من التوتّر الناتج عن إحساسكم بأن وظائفكم أكثر بكثير من الوقت المتاح لك… اجعلوا لكلّ عملٍ وقتًا تجدوا بركةً في الوقت. █