الحمد للّه ربّ العالمين، ونصلّي ونسلّم على أشرف المرسلين، المبعوث رحمةً للعالمين نبيّنا محمّد، الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ومن سار على نهجهم واستن بسنّتهم إلى يوم الدين.

أما بعد فقد روى الإمام مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «أرأيتُم لو أن نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسلُ منهُ كلَّ يومٍ خمسَ مرّات، هل يبقى من دَرَنِه شىء»؟ قالوا: لا يبقى من دَرَنه -أي وسخه- شىء، قال: «فذلِكَ مَثَلُ الصلواتِ الخمسِ، يمحو اللّهُ بهنّ الخطايا».

ففي هذا الحديث الشريف تشبيه بليغ من النبيّ صلى الله عليه وسلم وتقريبٌ للعقول، فالمارّ ببابه نهر جارٍ يغتسل منه ويزيل به الأوساخ خمس مرات في اليوم يشبه المصلي المتطهّر من الأدناس والنجاسات، فالصلاة تُطهّر من الذنوب والآثام، هكذا شبّه النبيّ عليه الصلاة والسلام الصلوات الخمْس، فهي مزيلةٌ للذنوب كما يزيل الماء الوسخ عن الجسم إذا اغتسل به خمس مرات. وفي سنن النبيّ صلى الله عليه وسلم الحثّ والإرشاد على التنظّف والوضوء للصلوات والاغتسال لصلاة الجمعة، قال عليه الصلاة والسلام: «غُسْلُ الجمعةِ واجبٌ على كلّ مُحتلِم» رواه أحمد، أي متأكد الاستحباب، بهذا جاء الخبر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

والسواك الذي حثّ النبيّ عليه الصلاة والسلام عليه هو مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للربّ يسن استعماله في تنظيف الأسنان وقبل النوم وعند قراءة القرءان وعند الوضوء والصلاة وغير ذلك، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشُقَّ على أمّتي لأمرتُهم بالسواكِ عندَ كلّ صلاة» رواه الإمام أحمد.

وحفّ الشارب للرجل من التجمّل والتنظّف فلا يعلق بشعر الشارب دسم الطعام والشراب فمن السنّة تقصيره بحيث تظهر حمرة الشفة العليا.

وورد أيضًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان له شعرٌ فليُكرمْه» رواه أبو داود، أي بالغسل والدهن والترجيل والتطييب، ومن السنّة ترتيبه والاعتناء به لا أن يترك بمنظر يعافه الناس فقد كان نبيّنا عليه الصلاة والسلام يغسل شعره ويمشطه ويدهنه بالزيت.

وقصّ الأظافر وتقليمها أيضًا من السنّة النبويّة المطهّرة، ونتف شعر الإبط بحيث لا تعلق فيه الروائح التي يعافها البشر، كل هذا حثّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الشريف: «خمسٌ من الفطرة: الاستحدادُ، والختانُ، وقصُّ الشارب، ونتفُ الإبط، وتقليمُ الأظفار» رواه الترمذي، والاستحداد هو حلق شعر العانة.إنها الفطرة وعادة النبيّ الكريم وسنّته، وشريعة الإسلام التي فيها الحرص على الأخذ بنظافة البدن مع صفاء القلب وسلامة الصدر واجتناب الروائح الكريهة من الثوم والبصل والدخان ونحوه، فقد ورد في الحديث الشريف أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أكلَ البصلَ والثومَ والكُرَّاثَ فلا يقربَنّ مسجدَنا، فإنّ الملائكةَ تتأذّى مما يتأذّى منه بنو آدم» رواه مسلم. فينبغي للمسلم أن يزيل الروائح التي يتأذّى بها الناس والملائكة الكرام.

والاغتسالات المسنونة كثيرة في السنّة المطهّرة كالاغتسال للعيدين وللإحرام ولدخول مكة وللوقوف بعرفة وغير ذلك، وقد يكون الغسل واجبًا كالغسل من الجنابة، والنساء مأمورات بالغسل بعد انتهاء الحيض والنفاس بل سَنَّ لهنّ عليه الصلاة والسلام التطيّب بالمسك عقب انتهاء الحيض مبالغة في إذهاب أيّ ريح كريهة، فعن عائشة رضي اللّه عنها أنّ امرأة سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل قال: «خُذي فِرْصَةً -أي قطعة من قطن أو خرقة- من مِسكٍ فتطهّري بها»، قالت: كيف أتطهّر؟ قال: «تطهّري بها» قالت: كيف؟ قال «سبحان اللّه تطهّري»!! قالت عائشة رضي اللّه عنها: فاجتبذتها إليّ فقلتُ: تتبّعي بها أثر الدم، رواه البخاري.

وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحبّ الطيّب ويكثر من التطيّب وكان يعبق مجلسه بالروائح الزكيّة كالمسك والبخور والعود وغيرها. فالتطهّر والتنظّف مطلوبٌ في الأبدان والبيوت والمساجد ومجامع الناس، زدْ على ذلك ما جاء في الشريعة من التبرؤ من النجاسات بالاستنجاء وعدم تلويث البدن والثوب بالنجاسة فلا تصح صلاة من توجد نجاسة على بدنه أو ثوبه أو في مكان صلاته.

أما حسن الملبس وجمال الهندام فمطلوبٌ حسب ما يليق بالشخص من ستر العورة وحسن المظهر بين النّاس من غير بطر ولا تكبّر ولا استعلاء على غيره قال عليه الصلاة والسلام: «لا يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذرّة من كِبْر» رواه مسلم، فقال رجل: إنّ الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنّ اللّه جميلٌ يُحبّ الجمالَ، الكِبْر بَطَرُ الحقّ وغمطُ النّاس» رواه مسلم.

ومعنى «إنّ اللّه جميلٌ» أي جميل الصفات ولا يحمل على جمال الصورة والمنظر لأنّ اللّه تعالى منزهٌ عن الصورة والشكل والهيئة، ولكن يقال جميل الصفات كوصفه تعالى بالوحدانية وأنه سبحانه وتعالى كان قبل كل شىء وهو خلق كلّ شىء.

وقبيحٌ من البعض ذكر هذا الحديث عند رؤية المناظر الجميلة أو النساء الجميلات فإنه قد يتوهّم السامع أنّ اللّه تبارك وتعالى جميل الصورة والمظهر واللّه تعالى منزّهٌ عن كل صفات الخلق، ومن الناس من يظن أنّ قصد الزينة تصنعٌ وبهرجةٌ لمن تجمّل ضمن حدود الشريعة والحشمة والأدب والنيّة الحسنة وليس كذلك، بل قد كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنظف الناس ثوبًا وأطيب الناس ريحًا وأحلى الناس منظرًا وكان عليه الصلاة والسلام يهتم بنظافة ثيابه.

وقد كان رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه لا يفارقه السواك يدلّك أسنانه به، ويتجنّب كل ذي ريح كريه، فهو عليه الصلاة والسلام كاملٌ في العلم والعمل فبه يكون الاقتداء وهو الحجّة وبه القدوة ونعم الأسوة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال اللّه عزّ وجلّ في محكم التنزيل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الآية سورة الأحزاب/21.

فما أجمل التجمل بآداب الشريعة النبويّة المحمّدية والحرص على طهارة النفس والباطن والظاهر والتجّمل بالعمل الحسن والقول الحسن، جمّلنا اللّه بالتقوى والخلق الحسن.