روى أبو داود وغيره عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ اللّهَ يبعثُ لهذه الأمّةِ على رأسِ كلّ مائةِ سنةٍ من يُجدّد لها دينها». وهذا الحديث فيه إشارة إلى ما منَّ اللّه تعالى به على أهل الإسلام من الأئمة الهداة وسائر العلماء الأعلام والصالحين الذين جعل اللّه فيهم من الأسرار وجدّد بهم الآثار وبيّن بهم طريق الحق وردع بهم أهل الزيغ والضلال. وقد ألّف السيوطي أرجوزة ذكر في أبياتها اللطيفة «مجدّدي العصور»، وفي باب «أعلام المسلمين» هذه السنة نتناول التعرّف على هؤلاء الذين قيل فيهم إنهم كانوا مُجدّدي قرونهم.

وممن قيل فيه إنه مجدّد عصره الإمام أبو الحسن الأشعري ناصر السنة وأهلها.

التعريف به

هو علي بن إسماعيل بن أبي بشر بن سالم بن إسماعيل ابن عبد اللّه بن موسى بن بلال بن أبي بردة ابن صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه.

قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُالآية سورة المائدة/54.

وعن سماك بن حرب أنه قال: سمعت عياضًا الأشعري يقول: لما نزلت ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُسورة المائدة/54، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «هم قومك يا أبا موسى» وأومأ رسول اللّه بيده إلى أبي موسى الأشعري، رواه الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في مصنفه.

ولد الإمام أبو الحسن الأشعري سنة 260 للهجرة وتوفي رحمات اللّه عليه سنة 324 للهجرة.

والإمام أبو الحسن الأشعري هو شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، وإمام المتكلمين وناصر سنّة سيّد المرسلين والذابّ عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين سعيًا يبقى أثره إلى يوم الدين.

حمى الشرع من الحديث المفترى، وقام في نصرة ملة الإسلام، فنصرها نصرًا مؤزرًا.

قال الإمام أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر اللّه تعالى الأشعري فحجزهم في أقماع السمسم!

زهده وورعه

ذكر بعض من صَحِبَه أنه مكث عشرين سنة يصلي الصبح بوضوء العتمة، وكانت نفقته في كل سنة سبعة عشر درهمًا، كل شهر درهم وشىء يسير.

ولقد قيل إن الإمام أبا الحسن الأشعري هو مجدد القرن الثالث الهجري لأنه القائم في أصل الدين، والمناضل عن عقيدة الموحّدين، والسيف المسلول على المعتزلة المارقين، المُغبِر في أوجه المبتدعة المخالفين رضي اللّه عنه.

ذكر الأستاذ أبو سهل الصعلوكي أنه حضر مع الشيخ أبي الحسن الأشعري مجلسًا بمدينة البصرة، فناظر المعتزلة -خذلهم اللّه- وكان عددهم -أي المعتزلة- كثيرًا، فأتى على الكلّ وهزمهم، كلما انقطع واحد تناول الآخر حتى انقطعوا عن آخرهم أي هزمهم كلّهم بالحجة وبالدليل.

يقول الأستاذ أبو سهل الصعلوكي: فعدنا في المجلس الثاني -أي لمناظرة من يريد من المعتزلة وغيرهم- فما عاد منهم أحد فقال: يا غلام اكتب على الباب فـَرُّوا!!

ثناء العلماء عليه

قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني: كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الباهلي كقطرة ماء في جنب البحر، وسمعت الشيخ الباهلي يقول: كنت في جنب الأشعري كقطرة في جنب البحر!!

وقد أثنى عليه ابن عساكر وألّف كتاب «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري» وهو من أجلّ الكتب ومن أعظمها فائدة وأحسنها.

وقد كان الإمام أبو الحسن الأشعري شافعي المذهب تفقّه على أبي إسحاق المروزي، نصّ على ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في «طبقات المتكلمين». والأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني فيما نقله عنه الشيخ أبو محمّد الجويني في «شرح الرسالة».

موافقة المذاهب للأشعري والسير على نهجه

اعلم أن الشافعية والمالكية وكثيرًا من الحنفية وفضلاء الحنابلة أشعريون، هكذا ذكر الإمام ابن عبد السلام شيخ الشافعية وابن الحاجب شيخ المالكية، والحصيري شيخ الحنفية وكذا العلماء المتميّزون من المذاهب الأربعة في معرفة الحلال والحرام والقائمون بنصرة دين سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم.

وهذا غيض من فيض فضله وعلو مقامه رحمه اللّه وأعلى مقامه.