الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد أشرف الأنبياء والمرسلين وإمام المتقين وعلى آله وصحابته الطيّبين الطاهرين والغرّ الميامين.

إخوة الإيمان يطلّ علينا شهر رمضان العظيم من جديد حاملًا معه من عَبَق الماضي الناصع الأصيل ومن صفحات تاريخ أمتنا المجيدة، يوم كان المسلمون صفًّا واحدًا وبنيانهم مرصوصًا متماسكًا في مواجهة أعداء الأمة والوطن، فأين نحن اليوم وأين تلك الأيام التي شهدت أبطالًا رفعوا راية الحق والإسلام ومهّدوا الطريق لمن بعدهم، وفي رمضان يا إخوتي نستلهم العبر والحكم من تاريخ الإسلام العظيم حيث حفل شهر رمضان المبارك على مرّ التاريخ الإسلامي بالعديد من الفتوحات الإسلامية والأحداث المهمة، فرمضان أخي المسلم شهر النصر والبركات والخيرات، فيه ينتصر الصائمون على شهواتهم لتصفو وتطهر نفوسهم، وكذلك في شهر رمضان الأغر انتصر المسلمون بفضل اللّه ومشيئته في مناسبات عدة على أعدائهم. قال اللّه تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) سورة محمّد.

وفي هذا الشهر الكريم خاض المسلمون الأوائل بسبب قوة إيمانهم وتقواهم معارك الفتح والبطولات العظيمة حيث سطروا في رمضان أروع صفحات البطولة والمجد وكأنهم كانوا على موعد مع الانتصارات المجيدة والأحداث العظيمة في رمضان، فتعالوا إخوة الإيمان نستعرض معًا تلك المحطات المشرقة والحوادث العظيمة والفتوحات البطولية التي حدثت على مرّ التاريخ الإسلامي في شهر رمضان المبارك.

لقد كانت معركة بدر الكبرى درّة ناصعة ونجمة مضيئة في تاريخ الأمجاد والانتصارات الإسلامية المجيدة، حيث تجلّت فيها أسمى المعاني والعبر والحكم، ففي غزوة بدر الكبرى نصر اللّه عزّ وجلّ فيها رسوله المجتبى وحبيبه المرتضى صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة المؤمنين الذين اتبعوا نبيّهم عليه الصلاة والسلام حقّ الاتباع في السراء والضراء وبصدق وإخلاص، وصبروا على البلاء والمصائب وثبتوا مع نبيّهم صلى الله عليه وسلم كالجبال الراسخة على ما هم عليه من هدى وإيمان، مع أنهم كانوا قلة قليلة بالنسبة إلى من قاتلهم من مشركي قريش الذين كانوا كثرة بالنسبة إلى المؤمنين بعددهم وعدتهم. قال اللّه تعالى مبيّنًا هذه الحقيقة الساطعة: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) سورة آل عمران.

وقال عزّ من قائل: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) سورة البقرة.

وفي رمضان من السنة الثانية للهجرة أيضًا فُرِضَتْ زكاة الفطر التي هي طهرة وباب خير عظيم لنفس الصائم الذي صام رمضان، حيث تجب عليه عنه وعمّن وجبت عليه نفقتهم بشروطها المذكورة في كتب الفقه…

وكانت غزوة تبوك بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى المدينة المنورة فأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بالتجهز لغزو الروم في عقر ديارهم وذلك بعدما بلغه صلى الله عليه وسلم أن هرقل ملك الروم ومن حالفه من متنصرة العرب قد عزموا على قصد ومحاربة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقتاله، فجهز النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم جيشًا جرّارًا في زمان عصيب اشتد فيه الحرّ والجدب في البلاد، فحَضَّ عليه الصلاة والسلام أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل اللّه، وسار جيش المسلمين قاصدين الروم، فدب الرعب في قلوب الروم، وانتهى جيش المسلمين إلى تبوك، فأتى يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة فصالح النبيّ على الجزية. قال النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: «نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر» رواه البخاري.

تلكم يا إخوة الإيمان حوادث وقبسات نورانية جَرت وقائعها في شهر رمضان المعظّم، وبقيت على مرّ التاريخ الإسلامي مشاعل نور وضياء تذكرنا بعظمة دين الإسلام وتعاليمه، وأن العزّ كل العزّ في طاعة اللّه ورسوله، والذلّ كلّ الذلّ في معصية اللّه، وأن النصر والفتح والعِزة والغلبة للمسلمين تكون في تقوى اللّه والتزام شرعه الحنيف في جميع الأحوال، والسَّير على خطى ومنهاج نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم ونصرة دينه كما قال اللّه عزّ وجلّ: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)﴾ سورة الحج.