كثيرًا من الأحيان نرغب في استرجاع ذكريات الماضي، وقد سهلت لنا التكنولوجيا العصرية هذه المهمة من خلال الصور الفوتوغرافية سواء الرقمية أو غير الرقمية منها. نرغب في كثير من الأحيان أن ننظر إلى صورنا القديمة لإعادة رسم المشاهد في مخيلتنا وتركيب ما يشبه مقاطع فيديو مقطعة في أذهاننا علّنا بهذا نجبر دماغنا أن يرسل أوامره إلى غدد الهرمونات فتفرز هذه الأشياء الصغيرة لكي نشعر بعدها بالفرح بهذه الذكريات. لكن ما الذي نفرح به؟ نفرح بالتأكيد بالذكرى والتفاصيل التي عشناها أثناء التقاط هذه الصور، ننظر إلى صورنا ونتأمل ابتساماتنا وضحكاتنا ونتذكر مدى فرحنا، حتى إننا نكاد نسمع صوت المصور الذي التقط الصورة وهو يقول لنا: «قولوا cheese» وهي الكلمة الانكليزية الأكثر شهرة عند التقاط الصور، كنا -وأشدد على كلمة كنا- نقولها عند التقاط الصور وذلك لنبين ابتسامتنا.

في أيام الـCheese أو أيام الجبنة، كانت تظهر ابتسامتنا بدون تكلف في الصور، كنا نضحك لنسجل في تاريخ حياتنا لحظات مفرحة نسترجعها متى ما أردنا عندما نكبر. لماذا أشدد على فعل الماضي «كان»؟ لأن عصر الجبنة قد ولى، فابنتي لن تعرف عصر الجبنة ولا المقصود بالجبنة، وأولادنا سيضحكون ضحكة سخرية من صورنا الـDemode فنحن نبتسم في صورنا!!

نعم أصبحت الابتسامة قديمة الطراز وخارج نطاق الموضة هذه الأيام، أما إن أردت أن تكون مواكبًا لموضة الصور من وجهة نظر الكثيرين هذه الأيام فعليك أن تكون «بطة»!! وإليك عزيزي القارئ شرحًا مفصلًا كيف تتحول إلى بطة في ثوانٍ، أولًا عليك تشغيل الكاميرا الموجودة في جوالك، ثانيًا تضبط الكاميرا على خاصية التصوير الأمامية أو ما يعرف بالسيلفي، ثالثًا تضم شفتيك بعضهما على بعض وكأنك تريد شفط شىء ما، رابعًا اضغط على زر التصوير وأهلًا وسهلًا بك في عالم البط.

يا قوم!!!! ما هذه السخافات، لماذا وكيف ومتى بدأت هذه العادة الغريبة؟ نحن لا نعلم، وكأننا استفقنا ذات يوم ووجدنا الابتسامة اختفت من حياتنا، وحلّ مكانها وجه البطة. مئات بل ملايين الصور المنتشرة في كل مكان وليس فقط على صفحات التواصل الاجتماعي بل انتقلت العدوى إلى صور المجلات أي أصبح الوباء منتشرًا بصورة رسمية. وللمعلومات الطبية وللفت النظر فقط، أثبتت دراسات علمية نفسية أن الأشخاص الذين يميلون إلى وضع صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يستعملون «وجه البطة» يعانون من مرض العصابية أو عدم التوازن النفسي. بالإضافة إلى هذه الدراسة، هناك مشكلة أخطر من الأمراض النفسية، وهي أن عمل وجه البطة في الصور وخاصة عند الإناث هو سعي فاشل ومحاولة بائسة للإغراء، بمعنى آخر عدم الثقة بالنفس والانحلال
-في بعض الأحيان- التي تعاني منه بعض الفتيات يدفعهم إلى إبراز هذا الجزء من الوجه لأسباب نتحفظ عن ذكرها.

عرفنا ما هي الجبنة وتعرفنا للأسف على معنى البطة، لكن ماذا عن النقاط الثلاث…؟ النقاط الثلاث موضوع أخطر من أي يعالج هنا، هو موضوع اعتُبِر ولا يزال من «العيب» أن نتكلم عنه في أحاديثنا وفي سهراتنا، هو موضوع لا نزال نخفض أصواتنا إذا أردنا أن نتكلم عنه أمام أولادنا حتى لا نفسد أخلاقهم. لكن إلى متى سيستمر هذا الحال؟ النقاط الثلاث التي ذكرتها في عنواني هي عبارة عن تصوير أجزاء أخرى من الجسم أتحفظ أيضًا عن ذكرها علانية لخجلي من كتابتها. لكنني أصررت على طرحها في هذا المقال لأنها بدأت بالانتشار، ليست منتشرة كوجه البطة لكنها تنتشر، وأبناؤنا يشاهدونها على صفحاتهم الإلكترونية، لذلك أرجو أن تكون هذه الكلمات القلائل رسالة تحذير من مستقبل لا أريد أن أعيشه.

كلمة أخيرة أريد توجيهها هنا لمن يعتبر مقالي هذا متشددًا ضد العادات الغربية ولمن يعتبرني متمسكًا بشرقيتي. عندما أدخل الإغريق ذلك الحصان الخشبي الكبير إلى طروادة ظن الطرواديون أنها هدية سلام من الإغريق لهم، فأدخلوه إلى حصونهم فرحين به، لكنهم لم يدروا أن هلاكهم داخل هذا الحصان الخشبي، والأمر نفسه يتكرّر هذه الأيام. إن حصان طروادة الذي يقدمه الغرب لنا باسم التحضر والانفتاح ما هو إلا تدمير لمجتمعاتنا وأخلاقنا الشرقيّة، وهو يأخذ أشكالًا وألوانًا متعدّدة منها ما ذكرته في مقالي هنا، فلنكن حذرين من مثل هذه العادات، فالغرب عنده العديد من الأحصنة التي يريد «إهداءها» لنا.