الحب… العطف والحنان صفات طيبة يتمنى أكثر الناس أن يتعاملوا بها… هم يكرهون الكذب والنفاق والخيانة… البعض يعامل الناس بالمعروف والصدق ويتمنّى أن يقابل بنفس المعاملة… والبعض قلوبهم مظلمة يرون الدنيا بمنظارهم الخاص ويعاملون الناس بما يخدم مآربهم ولا يهتمون بخدمة من حولهم ولو كانوا من أقرب الناس لهم…
أم عزيز في الستين من عمرها… توفي زوجها قبل سنين… قامت بتربية وحيدها… عزيز… علّمته حتى صار من أصحاب الشهادات المميزة… التحق بمؤسسة هامة وكان راتبه يكفي لينفق على نفسه وأمه… كان مخلصًا في حبّه لأمه التي اختارت الاهتمام بوحيدها… لم تتزوج بعد فقدها لزوجها وأنفقت كل ما تركه لها على ابنها ليكون قادرًا على الوقوف بأقدام ثابتة وتؤمن له ما يتمناه من مستقبل جيد…
بعد أن جمع عزيز ما يكفي من المال… طلب من أمه أن تخطب له زميلته في العمل التي رأى أنه سيجد معها الحياة السعيدة التي يرجوها… فرحت الأم بطلب ابنها…. وفعلًا خطبتها له… وبعد مرور أشهر قليلة تزوج وسكن في منزل أمه… فرحت أمه بقراره… وكانت تفعل كل ما يدخل السرور إلى قلبيهما… ومرّت شهور قليلة… وإذ بزوجة عزيز تطلب منه أن يقنع أمه بتسجيل البيت باسمه… قالت له ليس لها أحد غيرك… فليكن البيت لك وهي تعيش معنا نكرمها ونهتم بأمورها… وكان ما أرادته الزوجة… وتنازلت الأم عن البيت لابنها… بعدها تغيّرت معاملة الزوجة مع أم عزيز… كانت تسيء معاملتها وتكذب على زوجها وتفتري على أمه وتقول أشياء لتنفره منها…
عزيز كان ضعيفًا أمام زوجته… صدق كل الافتراءات التي قالتها له عن أمه… ووصل به الأمر أنه تمنّع عن شراء أدويتها ولم يعد ينفق عليها…. صبرت أم عزيز على كل المعاملة القاسية وخرجت تبحث عن عمل في البيوت… كانت تطرق الأبواب لتبحث عن من يقبل أن تعمل عنده في تنظيف البيت أو العناية بالأولاد…
لم يهتم عزيز بخروج أمه اليومي من البيت… كان يظن أنها تقضي وقتها عند الجيران… كان يهمه أن تكون زوجته راضية مسرورة وأن تكون حياته معها خالية من المنغصات…
في ذلك اليوم خرج عزيز باكرًا إلى عمله… كان مريضًا لكن كان عليه أن ينجز بعض الأمور المهمة في مكتبه… أنهى كل ما يستطيع فعله بسرعة وخرج باكرًا من عمله ليرتاح في بيته… دخل البيت وتوجه إلى غرفة نومه ليجد زوجته في فراشه مع جاره… كانت المفاجأة فوق تحمله… هذه المرأة التي أحبها وفعل كل ما يسعدها… حتى إنه تنكر لأمه ليرضيها… هذه الزوجة تستغل غيابه لتمارس الحرام مع الجار… وقع عزيز أرضًا… لم يستطع الحراك من هول الصدمة… غادرت الزوجة المنزل وتركته أرضًا يعاني من آلام ما رأى… بكى من شدة ألمه… حاول أن يتحرك لكنه لم يستطع… وبقي على حاله حتى جاءت أمه… اتصلت بالطبيب… وبعد أن عاينه أخبرها أن ولدها أصيب بشلل نصفي… وأن علاجه يكلّف الكثير… من المؤلم أن تكرم شخصًا ويرد على إحسانك له بالغدر والخيانة… البعض يقابل المعروف بالإساءة… البعض يعاني من قلة النظافة في تصرفاته… يرى أمامه الناس فيصنفهم… هذا ينفعني بكذا مما هو من أمر الدنيا فيتصل به ويصادقه… أما من لا يجد منفعة في رفقته فيتركه ولو كان من أهله… هكذا بعض الناس…. بينما تجد آخرين يسارعون إلى إسعاف أهل الضرورات ولو كانوا من غير أهلهم أو أصحابهم… المعروف سيبقى بين الناس… أهل الفضل ستبقى آثارهم معلومة… لن تخلو الدنيا في أيامنا هذه من كرام النفوس… حتى ولو كثر المنافقون الدجالون…
عزيز لا زال يتلقى العلاج في المستشفى… لم تذهب تلك الصورة من باله قطُّ… أم عزيز لا زالت تعمل في البيوت لتنفق على ابنها وعلى نفسها… أما تلك الزوجة فلم يعد يسمع عنها أحد أي خبر… رحلت دون عودة…