إذا كانت الأمم والشعوب على مرّ الأزمان والدهور تتباهى بقادتها ورجالها وعظمائها الذين يتعاقبون على قيادتها على فترات زمنية متباعدة، فتحاول أن تمجدهم وتعظم شأنهم، وتحتفل بذكراهم كل عام، وتسجل أسماءهم في ديوان القادة العظماء، فإن سماحة القائد الراحل الشيخ نزار حلبي رحمات اللّه عليه واحد من عظماء التاريخ، وقائد من أبطال الأمّة الإسلامية ونعمة عظيمة مَنَّ اللّه تعالى به عليها، ونجم وهاج تألق في سماء العظمة، وقائد عظيم دخل بجدارة في سجل عظماء الرجال والتاريخ.

إنه القائد العظيم الذي ولج صروح العظمة من بابها العريض، وسجل اسمه بحروف الذهب على صفحات النور في ديوان القادة العظماء الذين يقل نظيرهم ومجيئهم على مرور الزمان.

إنه من قاد وأرسى دعائم جمعية حضارية عالمية هي «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» التي هي سفينة نجاة، ونور في زمن خيّمت فيه الظلمات.

إن الحديث والكتابة عن القادة العظماء ليس بالأمر السهل الذي يستطيع أن يخوض فيه أي كاتب أو بليغ فيحيط بكل جوانبه، فما أشد وطأة القلم وهو يزحف متثاقلًا على الورق ليحُطّ كلامًا عن عظيم من عظماء الأمة الإسلامية، وقائد من قادتها وصلوا في نضالهم وجهادهم في سبيل اللّه، والنهوض بأمر الدعوة إلى منزلة عالية في العطاء والفداء.

فكيف إذا كان هذا القائد والبطل العظيم هو الراحل الكبير سماحة الشيخ نزار حلبي رحمات اللّه عليه… هذا الرجل التقي النقي الذي كان في جهاده رمزًا للطهارة والعنفوان والعروبة والاعتدال والوطنية الصادقة…

كيف لا يكون هذا الراحل العظيم كذلك، وهو شبل قد تتلمذ ونشأ وتربّى عند عالم رباني عظيم، وولي كبير، فريد زمانه، محدّث الدنيا، العلامة الفقيه المربي الفاضل الشيخ عبد اللّه الهرري الحبشي
رحمه اللّه الذي نال بما أعطاه اللّه تعالى من العلوم شهرة وصيتًا واسعًا في العالم العربي والإسلامي وشهد بفضله وعظمته وشموخه القاصي والداني من أولي العلم والفهم السليم.

لقد قاد سماحة الراحل العظيم الشيخ نزار حلبي رحمات اللّه عليه «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» بحكمة وحنكة واستطاع بما حباه اللّه تعالى من ذكاء وحكمة وخبرة ودراية وهمّة عالية في البذل والعطاء والجهاد أن يشمخ كالجبال الراسية وهو يقود هذه الجمعية فيجمع ويوحّد، ويبني لوطنه وللمدينة التي أحبّها واحتضنته المؤسسات الثقافية الحضارية على أنواعها، التي امتدت آثارها التربويّة النافعة في بلاد الدنيا كنور الشمس المشرقة، ثم ليؤسّس لـ«المشاريع» التي رفع رايتها وقادها القلاع والحصون الثابتة من مدارس ومساجد ومصليات ومراكز تربوية وثقافية نافعة وآخرها «الجامعة العالميّة» وليرفع اسم المشاريع عاليًا في وطنه وفي بلاد الدنيا.

 

مظاهر العظمة تتألّق في شخصية القائد الراحل

 

تعالوا لنتحدّث عن مظاهر العظمة والقيادة الحكيمة في شخصية هذا القائد الفذ، سماحة الشيخ نزار حلبي رحمات اللّه عليه.

فنحن إذا قلبنا وأمعنا النظر رَوِيّة في شخصيّة الراحل العظيم رحمه اللّه في سيرته وجهاده وأخلاقه في مختلف مراحل مسيرته النضالية ومن حين نشأته وحتى استشهاده، فإنّنا نستطيع أن نستشف من خلالها نواحي العظمة في هذا القائد العظيم التي جعلت منه عظيمًا بين عظماء الأمة والتاريخ.

ويتجلّى ذلك في النواحي التالية:

 

نعمة عظيمة من اللّه تعالى

 

إن نعم اللّه تبارك وتعالى على عباده لا تحصى، وكثير من هذه النعم لا يعرف قدرها ومكانتها إلا بعد فقدها. ولقد كان سماحة الراحل الشيخ نزار حلبي رحمات اللّه عليه من هذه النعم الجليلة التي منّ اللّه تعالى بها على هذه الأمة ولقد أدركنا برحيله وتيقّنا باستشهاده عظيم قدر هذه النعمة.

لقد كان رحمه اللّه قائد أمة يوزن بالرجال. وكان بعلو همّته وعظيم عطائه رجلًا بألف، ولقد شهدت له بذلك المآثر والمفاخر والأفعال والشرف.

 

رفــــع لــــــواء جمعيــة «المــشــــــاريع» عاليًــــا خفاقًا في لبنان والخارج

 

لقد استطاع سماحة القائد نزار حلبي رحمات اللّه عليه بعد أن تسلّم إدارة ورئاسة «جمعية المشاريع» عام 1983، بما أعطاه اللّه تعالى وحباه من خصائص ومزايا قياديّة، وبما وهبه سبحانه من مؤهلات علمية وقيادية، وحسن تدبير وتخطيط وبعد نظر، أن ينقل هذه الجمعية الفتية إلى المستوى الوطني والعالمي الذي وصلت إليه اليوم، وأن يرفع اسمها بين الجمعيات الأخرى في لبنان وبلدان الدنيا، لقد استطاع الشهيد الغالي وفي خلال فترة وجيزة من قيادته لهذه الجمعية، وبفضل قيادته الحكيمة أن يجعل منها جمعية حضاريّة عالمية ذات مؤسسات ثقافيّة وتربويّة متنوّعة تحمل راية العلم الصافي ونشر الخير والدعوة إلى الاعتدال، ولتكون الحصن الحصين والترياق المجرب للعمل الإسلامي المثمر البنّاء ولمنهج العدل والاعتدال في لبنان والخارج.

لقد قاد رحمه اللّه تعالى جمعية «المشاريع» والتي قيل في وصفها إنّها سفينة النجاة بدقّة وحكمة وحسن تدبير وتحت أنظار ورعاية رُبّانها الإمام العلامة محدث الدنيا الشيخ
عبد اللّه الهرري رحمه اللّه.

 

الرجل الداعية

 

كان الراحل العظيم صاحب همّة عالية في الدعوة إلى دين اللّه تعالى، وكان من خير الدّعاة إلى دين اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة. وكان رحمه اللّه صاحب منهج متكامل ومتناسق تميّز به في الدعوة إلى دين اللّه تعالى ربّى عليه إخوانه وأصحابه ومريديه.

لقد سلك -رحمات اللّه عليه– طريق شيخه ومربيه العلامة الفاضل عبد اللّه الهرري
رحمه اللّه تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجد والهمة العالية الشامخة، وكان يحث دائمًا أصحابه وإخوانه ومريديه وأقاربه على طلب علم الدين الصافي لأنّه طريق النجاة. ويحثهم على تقوى اللّه تعالى بأداء الواجبات واجتناب المحرمات لأنه خير زاد ليوم المعاد.

لقد كان الراحل العظيم يعتبر أن عمل الدعوة إلى دين اللّه تعالى شرف للمؤمن ورفعة وهو عمل لا يعرف المواسم والعطل ولا الإعياءَ والملل ولا الراحة كما هو عادة أنبياء اللّه تعالى والعلماء العاملين ورثة الأنبياء.

وكان رحمه اللّه يسلك في الدعوة إلى دين اللّه طريق الرفق والحكمة، شعاره ومنهاجه في ذلك قول اللّه تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ سورة النحل/125.

 

المريديّة  الصادقة في  شخصية
القائد الراحل

كان سماحة الشيخ نزار حلبي رحمه اللّه من هؤلاء الأبطال الذين تربّوا وتتلمذوا في مدرسة علامة فاضل كبير ومرب جليل هو العلامة درة زمانه الشيخ المحدث عبد اللّه الهرري الحبشي
رحمه اللّه رحمة واسعة.

فتربى ونشأ الراحل العظيم بين يدي هذا العالم الكبير وتخلّق بأخلاقه. وتلقّى منه الدروس والمعارف وسار في حياته على منهاجه وسيرته فكان صادقًا أمينًا في مريديته لشيخه، فطُبِع بشخصيّته وسرى سرُّ هذا العالم الفاضل في هذا المريد الصادق الأمين.

لقد ارتشف سماحة الشيخ نزار رحمه اللّه من معين هذا الشيخ الرباني ونما في رياضه الباسمة وتأثّر كثيرًا بسيرته وأخلاقه. فإذا تمعّنت بعد ذلك في أخلاقه وسيرة حياته امتلأ قلبك دهشة وإعجابًا وتعظيمًا لمكانته.

 

الزهد والتواضع

كان الراحل العظيم رجلًا زاهدًا عابدًا متواضعًا، وقّافـًا عند
حدود اللّه تعالى كثير العبادة، طويل الأحزان، يبيت الليالي باكيًا حزينًا على ما آلت إليه أحوال المسلمين، وكان رحمه اللّه كثير البكاء من خشية اللّه تعالى خاصة في ظلم الليالي وفي مواقع الاعتبار، لقد كان
–رحمه اللّه– بصيرًا في أمور دينه ودنياه يعلم أن الدنيا متاع الغرور وأن الآخرة هي دار القرار، لقد عرف –رحمه اللّه– قدر الآخرة والعمل الصالح، فعمل وبنى لآخرته ولم يبن لدنياه، ولم يكن غارقًا في ملذات الحياة الدنيا وشهواتها وزخارفها الفانية، بل كان يتزود الزاد ويبني المآثر والمفاخر لآخرته، لقد كان رحمه اللّه زاهدًا عابدًا، غير متعلّق القلب بالدنيا، أخرج الدنيا بزخارفها ومباهجها ومفاتنها من قلبه، ولو أرادها مملكة له وقصورًا وأبنية وأرصدة مجمدة له في البنوك، ونعيمًا وخدمًا وترفـًا لكان له ذلك. لقد كان رحمه اللّه كثيرًا ما يُردّد في خطبه ومواعظه قوله تعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) سورة القصص.

 

الشفقـــة علـــى الفقـــراء والمساكين

كان سماحة الشيخ نزار حلبي رحمه اللّه متأثرًا كثيرًا بسيرة وأخلاق النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلّم وبأخلاق شيخه وأولياء اللّه الصالحين. لذلك كان رحمات اللّه عليه شفوقًا رحيمًا على عباد اللّه حتى صار أبًا للأيتام والفقراء والمساكين، عطوفـًا رحيمًا بهم يقضي حوائجهم ويمد لهم يد العون والمساعدة، وكذلك كان يفعل مع الأسر الفقيرة المحتاجة بالسرّ والخفاء وتحت أجنحة الليالي والظلام، فلقد كانت صدقة السر من صفاته وخصاله.

وكان رحمه اللّه يقضي حوائج العجائز والأرامل وأهل الضرورات، يسعفهم ويساعدهم ويفرج كرباتهم وكان رحمات اللّه عليه ذا رحمة وشفقة على خلق اللّه تعالى متمثّلًا قول النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلّم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه اللّه عزّ وجلّ» رواه مسلم، وقوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» رواه البخاري. وكم كان للراحل من مآثر ومواقف إنسانية خيّرة في البذل والإحسان والعطاء، وفي الأوقات العصيبة، وخاصة إبان الحرب الأخيرة التي حدثت في حياته.

 

الرجل العطوف والأب الحنون والابن البار ّ
والزوج الوفي

كان رحمه اللّه بارًّا بوالديه رحيمًا شفيقًا بهما يحسن إليهما ولا ينسى فضل أبويه عليه، وكان آية في برّه بأمه يسعى دائمًا لنيل رضاها بما يستطيع، فقد كان بعد وفاة والده يداوم على زيارتها والإحسان إليها وكسب برّها ورضاها، مع كثرة مسؤوليّاته الجسام ومشاغله في أمور الدّعوة والأمّة.

ومن عظيم أخلاق الراحل
رحمات اللّه عليه في حسن معاشرته لزوجته أنه كان يحسن معاملتها ومداراتها، ويتواضع معها في خدمتها وخدمة بيته بنفسه وكذلك كان يفعل في خدمة أولاده فيقوم بنفسه بخدمتهم والقيام بأمر حاجاتهم الضروريّة لا يتأفّف من ذلك ولا يتململ. وكم له في هذا المجال من مواقف عظيمة وأخبار إنسانيّة رائعة تجعل المرء في دهشة وإعجاب وإكبار لشخصيّة هذا الإنسان العظيم.

 

خاتمة

 هذا غيض من فيض سيرة قائد عظيم من عظماء التاريخ والأمة الإسلامية الذين قل تعاقبهم على مرّ الأيام والدهور إنه سماحة القائد الشيخ نزار حلبي رحمات اللّه عليه.

…يرحمك اللّه يا صاحب السماحة، يا عظيمًا بين العظماء… ويا رجلًا بين الرجال… ويا قائدًا حكيمًا بين قادة الأمم والتاريخ.

لقد كنت شمسًا مشرقة في سماء «المشاريع» وما زالت أنوارك تضيء الديجور للسالكين درب الهدى والحق والنور، فكيف ننساك!!

فجزاك اللّه تعالى عن الإسلام والمسلمين خيرًا… ورفع درجتك مع الصدّيقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقًا.