إنّ هذه الأرض التي نعيش عليها مليئة بالعجائب والغرائب التي تدفعنا إلى التفكّر في مخلوقات اللّه وتسبيحه وزيادة اليقين بكمال قدرته. ولقد اخترنا لكم مهنة تربية المواشي ورعايتها لقسم «أيدٍ ماهرة»، وهي مهنة تتطلّب مساحات واسعة نسبيًّا من الأرض ومهارات معيّنة في صاحبها في حُسن الاستفادة من هذه المساحات وحُسن قيادة القطيع ورعايته، فيما اخترنا لكم ظاهرة الأعمدة البازالتيّة لقسم «ظواهر مدهشة»، فهلمّوا في رحلة الإبحار للتعرّف عليها.
أيدٍ ماهرة: تربية المواشي ورعايتها
تعتبر مهنة تربية المواشي ورعايتها من أقدم المهن التي امتهنها البشر، وهي تعتمد على تخيّر المرعى الأنسب والأوفر للماشية والاهتمام بشؤونها وحمايتها ممّا قد يضرّها أو يبيدها بغية الاستفادة والإفادة من لحومها وألبانها أو بيعها، لذلك فهي تتطلّب مساحات ومراعٍ واسعة تكون غالبًا بعيدة عن المدن وضجيجها وتلوّث هوائها. ويُطلق على الشخص المُمتهن لها اسم راعي المواشي.
لقد تغيّرت مع مرور الأيّام والحقبات ظروف هذه المهنة، ففي عصرنا الحالي وبعد الثورة الصناعية انحسرت أعداد الرعاة نتيجة هجرهم الأرياف وتوجههم تجاه المدن أو عملهم في المصانع.
تتطلّب هذه المهنة جهدًا وصبرًا كبيرين إذ إنّ الراعي يحرص على الاهتمام بكل ما يتعلق بالقطيع من إسكانه، ومتابعته، وإطعامه وتسمينه وسقياه. ولقد ورد في الحديث أنه ما بعث اللّه نبيًّا إلا رعى الغنم ليحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم.
إسكان القطيع: يهتمّ معظم الرعاة بتجهيز حظيرة لإسكان القطيع تقيه من أشعة الشمس صيفًا ومن الأمطار شتاءً، تكون قريبةً من أراضٍ يرعى فيها حيث يمكن أيضًا الاستفادة من فضلاتها وروثها في تخصيب التربة.
متابعة القطيع: عن طريق توفر طبيب بيطري مثلًا يكشف عليه من فترة لأخرى ويعالج المرضى منه. كذلك المتابعة تكون بالاهتمام بأكل القطيع، مع إمكانيّة الاستعانة بمهندس زراعي لمعرفة أنسب علف وطعام -من حبوب وغيره-، كذلك يمكن الاستعانة من وقت لآخر بعمال نظافة للمحافظة على نظافة المزرعة والتخلص من روث الحيوانات واستخدامه كسماد في زراعة بعض الحشائش.
ومن متابعة القطيع، قياس وزنه ومعدّل نموّه باستمرار وذلك بغية الاهتمام الخاص بالضعيف أو بطيء النمو منها.
إطعام القطيع وسقياه: ويتبع ذلك أكثر من جانب منها إنشاء أماكن لتخزين الطعام من حبوب وغيرها مع مراعاة هندسة بنائه بحسب حاجته للهواء والشمس. كذلك من المهم اختيار الهندسة المناسبة للحظائر، ومساكن القطيع: أماكن أحواض الشرب والممرّات وغيرها.
ظواهر مدهشة: الأعمدة البازلتيّة
تعتبر الأعمدة البازلتية ظاهرة غريبة جدًّا إذ إنّها عبارة عن أعمدة متجانسة، متشابهة للغاية ودقيقة للغاية، ليس للإنسان علاقة بنشوئها. فالغرابة فيها أنّ من يشاهدها قد يظن أنّ هناك إنسان قام بنحتها بتلك الدقة الكبيرة، إلّا أنها على قول بعض الجيولوجيين تشكلت على تلك الهيئة الرائعة بعد أن كانت عبارة عن حمم بركانية منصهرة خرجت من باطن الأرض في أعقاب ثورة بركانيّة، وأصبحت بعد أن بردت على شكل صخور عموديّة ذات أضلاع خماسية أو سداسية أو سباعية.
تتفاوت ألوان تلك الأعمدة البازلتية، فهي في الغالب سوداء اللون، لكن وجدت بعض الأعمدة البازلتية بلون رمادي أو بنّي أو أحمر حسب العناصر الكيميائية والمعادن المُؤلّفة منها.
تنتشر هذه الصخور في عدد من بقاع الأرض، كمحلة معروفة باسم «بوابة العمالقة» أو «ممرّ العمالقة» على ساحل إيرلندا، ومنتزه يلوستون في أمريكا، كما توجد في تركيا وأيسلندا.
يعتبر «ممرّ العمالقة» من أكبر محميّات الأعمدة البازلتيّة فهو عبارة عن موضع يتألف من 40000 تقريبًا من أعمدة البازلت المتداخلة، وقد تم الإعلان عنه بوصفه أحد مواقع التراث العالمي بواسطة منظمة اليونيسكو عام 1986، كما أدرج بوصفه محمية طبيعية وطنية عام 1987 من قبل وزارة البيئة في إيرلندا الشمالية. وفي عام 2005، وضمن استطلاع رأي أقامته راديو تايمز لقرائها، اختير ممر العمالقة بوصفه رابع أعظم العجائب الطبيعية في المملكة المتحدة. وتشكل قمم الأعمدة أحجارًا متدرجة تبدأ من السفح المنحدر وتختفي تحت سطح البحر. وتتخذ معظم هذه الأعمدة شكلًا سداسي الأضلاع. يبلغ طول أعلى الأعمدة حوالي 12 مترًا. لذلك كلّه يعدّ هذا الموضع موضعًا سياحيًّا يقصده الناس من أصقاع مختلفة من الأرض. ولذلك تمّ الاهتمام به وإنشاء مركز للزوّار فيه مع إتاحة الفرصة لهم للمشي فوق أعمدة البازلت التي تقع على حافة البحر.
يعد الموضع ملاذًا لطيور البحر، في حين أن تشكيلات الصخور تحتوي عددًا من النباتات النادرة، وغير المعتادة، مثل وجود مستعمرة لنبات استروماتوليت اكتُشفت عام 2011، وهو اكتشاف غير عادي نظرًا لأن مستعمرات استــرومــاتــولـيـت توجد في المياه الساخنة التي تحتوي على نسبة أملاح تتجاوز الموجودة في الممر. فسبحان اللّه ربّ العالمين.