خليط من الأحاسيس ينتابني عند لمسي لمفاتيح حاسوبي الآلي لكتابة مقال جديد. تتملكني الرغبة في كل لحظة لكتابة شىء ما، أرى مشاهد متناثرة من حولي، كل واحد منها أراه مقالًا مطبوعًا جاهزًا للنشر. لكني سئمت من الكتابة عن مجتمعنا الحالي، لماذا يا ناس؟ لماذا لا تقدم لي يا مجتمعنا إلّا هذه المادة للكتابة عنها. نار قذائف الهاون أخف حرارة من تلك التي في قلبي، صراخ الأطفال الجائعين في مخيمات النازحين لا يضاهي الصراخ الصامت في صدري، دموعك يا فلسطيني نقطة في بحر دموعي الجافة في أعين أصبحت أداة لا أكثر تنقل المشاهد إلى كلمات، مجرد كلمات مطبوعة بحبر رخيص، ربما تُقرأ وربما لا. لماذا؟ 

لماذا أصبحنا هكذا ومتى وصلنا إلى الحضيض؟ لماذا عيوننا تذرف إذا تعرضت إحدى السلطانات في حريم السلطان للإهانة، ونرى التثاؤب سيد الموقف عند سماع قصة الحسين في كربلاء؟ لماذا نقيس المال والبضاعة بالموازين وبأعشار الفواصل، ونصرف الملايين على أجهزة الكمبيوتر وأنظمة المحاسبة، وأعمارنا تذهب هباء في غالب الأوقات؟ وإن كنا من المحظوظين نتذكر فنقول «سبحان اللّه، العمر يمضي بسرعة». أغنية تُسمع، يتحدث فيها المغني عن لحظات قضاها مع حبيبته في الحرام لكن بطريقة تسمى «منمقة» وأنغام هادئة تمتزج معًا فتتمخض في حالة قالوا لنا إن اسمها رومنسية فنرى دموع العاشقين تسيل من ذكرى حبيب في منزل!! وإذا قيل لنا من أحبّ الناس إلينا نتذكر ما تعلمناه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أحبّ الناس إلينا فتنطق باللسان لكن هل تصل حقيقة إلى القلب عند بعض الناس؟

نصل صباحًا إلى مكاتبنا فنضع كل مشاغلنا الأخرى وراء ظهورنا، تتكبل أيدينا في جهازين، لوحة مفاتيح الحاسوب، وبدعة غراهام بيل المسماة «هاتفًا»، والمضحك في الموضوع أن المفتاح معنا، لكن مجتمعنا في غالبه عشق الأسر وصار يستلذ به. نقول إن العالم يتطور وندرس عن الملوك الظالمين في كتب التاريخ، ونقرأ فيها أخطاء الأمم السابقة، نتصفح زمن العصور الوسطى وكيف كانت الطبقة الأرستقراطية تعامل العمال والفلاحين، ونحمد اللّه أننا لم نكن في تلك الأزمنة وفي تلك الأمكنة، لكن هل انتهت العصور الوسطى؟ ما الفرق بين شمطاء أرستقراطية تضرب فلاحة مسلمة بسوط جلد، وبين سيّدة مجتمع مخملي أو ما يسمى بالـ«classy lady» تعنف عاملتها الأثيوبية المسلمة لأنها خلطت بين معسل التفاح ومعسل العنب في النرجيلة؟ ربما تظنونني أبالغ لكنني لا أبالغ.

هي المشاهد كثيرة والأفكار كثيرة، والوقت يمضي ولا أدري متى ستتيبس يداي عن كتابة مثل هذه المواضيع، لكنني سأظل أبحث عن الإجابة عن سؤالي. جواب شافٍ هو كل ما أريد، أريد أن أقرأ، أريد أن أبحث أريد أن أسافر وأتعرف على مجتمعات أخرى علّني أعرف لماذا ولّى زمن البطولات وحل زمن الهزائم، لماذا نقول دومًا إن بعضنا من أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وصلاح الدين، ولا نرى أسماءهم إلا مكتوبة على جدران أو على أعلام التظاهرات التي توضع في المستودع بعد أن يتقاضى كل واحد أجره من «معلمه»، ولماذا هناك الكثير من اللفات البيض على الفضائيات والتلفزيونات لكن في المقابل لا يكتمل الصف الأول في جماعة صلاة الظهر.

لقد أصبنا بزلزال مجتمعي أخلاقي ثقافي لا أدري ما هو نوع هذا الزلزال لا أدري هل هو بسبب تجارب نووية في قاع البحر كما تتحدث الشائعات بعد كل تسونامي يحصل، لا أدري ماذا سيفعل هذا الزلزال بعد، لكني متيقن من شىء واحد أن هذا الزلزال لا يقاس على مقياس رختر…

إعداد محمد حلاوي