طفلي قطعة من القلب، وفلذة من الكبد، كل واحدة منا تريد لطفلها أن يكون في أمان، وأن تحميه أحيانًا من نسمة الهواء وأشعة الشمس خشية الضرر إن استطاعت. لكن قد يصل الحد أحيانًا بالمرء إلى المبالغة، وكأننا نتوقع من الطفل أن يعيش في فقاعة معقمة تحميه من كل العوامل الخارجية، غافلين عن أن التعرض لمواقف مختلفة يعزز مناعة الطفل ويجعله أقوى. 

من المفيد تعويد أطفالنا على ملامسة الأشياء المختلفة، كالسماح لهم بالمشي على التراب وعلى العشب. فحين يكون الطفل معتادًا على الاتصال بالطبيعة بهذا الشكل يكون التعايش معها أسهل، ويتعلّم الطفل مهارات التوازن بشكل أفضل. كثيرًا ما نرى أطفالًا تخشى المشي على العشب أو الشاطئ، فتضيع بذلك عليهم فرص البحث والاستكشاف وفهم ما حولهم والاستمتاع باللعب فيه. قد يولّد هذا الأمر عندهم أيضًا رهابًا من الحشرات كلها دون تفريق بين النافع والمضر، وهذه أيضًا فرصة تعليمية ضائعة لعدم القدرة على التعلم باللمس والمشاهدة والتجربة.

تذكروا أيضًا، أعزائي الوالدين، بأن الكثير من البكتيريا المحيطة بنا والتي تنمو على أجسامنا نافعة للتوازن الميكروبي في محيطنا. وبالتالي، تجنبوا كثرة استخدام المناديل المعقمة والجل المعقم ونحو ذلك من المعقمات المنتشرة بكثرة والتي يُروج لها على أنها تحمي الطفل من الأمراض. في كثير من البيوت، يكثر استخدام المعقمات أيضًا في تنظيف الأرض وأدوات المائدة والحمامات والمطابخ، والحقيقة هي أن الإفراط في التعقيم قد يجعل الطفل أكثر عرضة للأمراض. في كل مرة يتعرض الطفل لمرض ما تقريبًا، يفرز جهازه المناعي لمحاربة المرض مضادات التهاب مناسبة لنوع العامل المسبب للمرض. تنتقل مضادات الالتهاب إلى موقع المرض لمحاربته، بينما يخزن الجسم في ما يسمّيه البعض ذاكرته المناعية بعض هذه المضادات لاستعمالها في وقت لاحق. حين يصاب الجسم بالمرض نفسه مجددًا، غالبًا ما يكون أثر المرض خفيفًا، إذ إن المضادات تتكاثر بسرعة وتقضي على المرض مبكرًا قبل أن يستفحل في جسد المريض. فأين تكمن المشكلة في المعقمات؟

قد يكون الطفل أقل عرضة للمرض، ولكن المناعة تكون شحيحة. حينها، فإن أبسط جسم ميكروبي أو نحوه قد يستشري في الجسم بشكل كبير، ويبقى الطفل مريضًا بشكل أكبر لفترة أطول. في دراسة نشرت مؤخرًا أيلول 2016، أعلنت منظمة الغذاء والدواء العالمية منعها استخدام غسول اليدين المعقم الذي يحتوي على أي من 19 مادة معقمة حددتها المنظمة بالشكل المستعمل حاليًّا. استند العلماء في المنظمة على أن هذه المواد عادة تستخدم مع الماء وعلينا شطفها بالماء بعد استخدامها عوضًا عن تركها على اليدين لفترة طويلة. وبما أن سلامة استخدام هذه المواد على المدى الطويل لم تتم دراستها، ولم تُبرهن فعاليتها بالحماية من الأمراض بشكل أكبر من فعالية الماء والصابون، فإن المنظمة ترتئي عدم استعمالها. بل على العكس، فبحسب المرجع نفسه، توجد بعض الأدلة العلمية على أن هذه المواد قد يكون ضررها أكبر من نفعها على المدى الطويل، فهي قد تؤثر على الهورمونات في الجسم أو تجعل البكتيريا أكثر مقاومة لمضادات الالتهاب، مما يجعل التخلص منها في حال المرض صعبًا جدًّا.

قد يتسرع بعضنا أيضًا برمي الطعام الذي يوقعه الطفل خطأ على الأرض. إن كنا في مكان نظيف وليس فيه نجاسة أو قذارة، يمكننا ببساطة أن نرفعه من الأرض وننفضه أو نزيل ما قد يكون علق به من شوائب غير ما ذكر ونأكله. وقد ورد حديث شريف في الحث على هذا الأمر في صحيح مسلم. قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان».

كثير من التعلم والفهم يحدث بــالــمــشاهــدة والاستــطــلاع واللمس والذوق والتجربة، خاصة في أول نشأة الصغار المحبين للاستكشاف بطبيعتهم الفضولية. لذلك ينبغي وبقدر المستطاع ألّا نحد من هذه الفرص بسبب خوفنا غير المعلّل أحيانًا من الأرض وما عليها. اتصالنا بالأرض يقوينا، ويحضرنا لأيام قد لا تتوفر لنا فيها رفاهية العيش المعتادة، فلنعوّد أولادنا على التأقلم مع محيطهم والتعايش مع الطبيعة الجميلة!