كم هو جميل منظر المزارع الذي يعمل في أرضه، يحرثها ويضع البذور ثمَّ يقوم بسقي الزرع حتى يحصل على النتيجة المرجوة. ثمَّ بعد خروج الثمر يتابع بعناية بالغة ما حصد مخافة أن يصيبها داءٌ فيسارع إلى معالجته بحنكة المزارع الخبير ولتأتي النتائج المرجوة كما يحب… وإذا ما نظرنا في عمل البِنَاء… ترى المهندس يعمل جاهدًا وبكل ما أوتي من علم لاختيار الأرض الجيدة التي سيقوم عليها ذاك البناء مخافة حصول الكوارث لا سيّما أنها أبنية أقيمت للسكن أو للعمل…
هذان مثالان يصلحان لأن يكونا منطلقًا للخوض والكلام عن الأهم، وهو الطفل الذي يولد حديثًا فهو أمانة في أعناق والديه، وهو كالإناء الفارغ إذا لم تملأه بما ينفعه في دنياه وآخرته كان الوبال على الأبوين وعليه إذ لم يُعَوّد على الخير ولم يتعلمه، بل ضاع في المجتمع وكان إمَّعَة مهمّشًا، وقد ينجرف مع أهل السوء والفساد والرذائل وينغمس في الموبقات، وما أكثرها… هذا إن لم يذهب إلى أخطرها وهو فساد الاعتقاد…
نعم، إن الأساس هي الأرضية الصالحة التي تبنى عليها دعائم المجتمع الصالح، والكثير من الناس في هذه الأيام أصبحوا غير عابئين بأولادهم بل الحياة عندهم لهوٌ ولعبٌ وجلب مال لا يسألون أمِنْ حرام هو أو من حلال، ونحن في زمن سيئ تتلاطم فيه أمواج الجهل والفساد.
لقد أصبح المجتمع أمامنا كخريطة ننظر إليها فبدلًا من رؤية الصواب صرنا نرى العجائب مما هو مرسوم عليها، في زمن أصبح فيه الشرفاء غرباء.
ولأن الفرصة ما زالت أمامنا، ولأننا نريد المحافظة على هذا الوطن ومفاهيمه السليمة كتبنا والألم يعتصر قلوبنا عسى أن يسمعنا سامعٌ من شرفاء هذا الوطن الذي لا يخلو من الأمناء وإن قلّوا.
فكما أنَّ الفلّاح يحافظ على أرضه ويحرص كل الحرص على أن يكون حصاده جيّدًا، وكما أن كلّ صانع وعامل يحرص على عمله وصنعته، كذلك بالأولى أن نحرص على أولادنا ذاك الجيل الذي نتطلع إليه لبناء الوطن والمحافظة عليه في زمن كثرت فيه الذئاب… وإلا فإن حسابَ الحقلِ أتى سلفًا وحسابَ البيدرِ مختلفًا!