الحمد للّه ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطاهرين وصحابته الطيّبين.
يقول اللّه تبارك وتعالى بعد أن ذكر في محكم تنزيله عددًا من الأنبياء: ﴿وَكُلًا فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ سورة الأنعام/86. إخوة الإيمان إن اعتقادنا بالأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام وإيماننا بهم يجب أن يكون سليمًا موافقًا لما جاء به القرءان الكريم ولما جاء به الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم حتّى لا يحصل زيغ وشطط عن الاعتقاد الصحيح فنهلك والعياذ باللّه، وقد وجب على المكلفين الإيمان باللّه تعالى والإيمان بملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه، وكذلك وجب علينا معرفة ما هي صفات الأنبياء الواجبة لهم وما يستحيل عليهم من صفات.
إخوة الإيمان إن العلم بصفات الأنبياء والاطلاع عليها ومعرفة دعوة التوحيد والتنزيه التي جاؤوا بها يبيّن لنا الأثر العظيم الذي تركوه صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين في المجتمعات التي ولدوا ونشؤوا فيها، والأمم التي بعثوا إليها ومدى هذا التأثير في تغيير مفاهيم من آمن بهم ممن كان على غير الحق مِن هذه الشعوب وعقائدهم التي نشؤوا عليها، فقد انتقل بهم هؤلاء الأنبياء المُبَجّلون عليهم الصلاة والسلام من الظلمات إلى النور، وأخرجوهم من الضلالة إلى الهدى، ومن ظلام الكفر والشرك إلى نور الإسلام الساطع، فكانت دعوتهم عليهم الصلاة والسلام إنقاذًا لهم من براثن الوثنية، وتطهيرًا لهم من أدران الانحلال والفساد والفوضى والاضطراب وفي ذلك يقول اللّه تعالى:
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ سورة البقرة/213
إخوة الإيمان أشارت هذه الآية الكريمة إلى أن الناس من أمة سيّدنا آدم عليه السلام الذي هو أبو البشر وأبو الأنبياء كانوا جميعهم على الهدى وعلى دين الحق الإسلام ثم بعد وفاة
نبيّ اللّه آدم عليه السلام أوحى اللّه تعالى إلى سيّدنا شيث عليه السلام وجعله نبيًّا رسولًا وأنزل عليه خمسين كتابًا، فأدّى عليه السلام ما اؤتُمن عليه من نشر تعاليم الإسلام بين الناس وأمرهم بتطبيق الأحكام المنزلة عليه. ثم بعد نبيّ اللّه شيث جاء نبيّ اللّه إدريس عليهما السلام ولم يكن إلى ذلك الحين قد حصل كفر بين البشر، بل كانوا كلهم مسلمين مؤمنين، ثم جاء الشيطان اللعين إبليس وزيّن لبعض الناس صنع تماثيل لبعض الصالحين من أمة
نبيّ اللّه إدريس وذلك بعد موته عليه السلام، وصار الجيل من الناس يأتي فيسأل من قبله عن هذه التماثيل، حتى جاء جيل لم يعرفوا حقيقة هذه التماثيل فزيّن لهم الشيطان أن هذه التماثيل هي آلهة آبائهم فعبدوها من دون اللّه تعالى والعياذ باللّه تعالى وهكذا انتشر الكفر بين الناس، فكان سيّدنا نوح عليه السلام أول نبيّ أرسل إلى الكفار الذين عاثوا في الأرض فسادًا وحادوا عن الطريق المستقيم وعن أنوار التوحيد والتنزيه، ثم كانت سنّة اللّه تعالى في خلقه أن يبعث في الأجيال المتوالية والمتعاقبة على مرّ السنين النبيّين مُبشرين مَنْ آمن وأسلم ونزّه اللّه ووحّده واتبع شريعة الإسلام بالجنة، ومُنذرينَ مَنْ كَفَر وعتا وحاد عن الطريق المستقيم بالنار. رُوِيَ عن عبد اللّه بن عباس ترجمان القرءان رضي اللّه عنه أنه قال: «كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كانوا على الحقّ حتى اختلفوا فبعث اللّه النبيّين والمرسلين» ذكره الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرءان.
واعلموا إخوة الإيمان رحمكم اللّه تعالى أن في بعثة الأنبياء رحمة للعباد إذ العقل وحده لا يكفي لمعرفة الأشياء المنجية في الآخرة، والنبوّة جائزة عقلًا ليست أمرًا مستحيلًا فلأن يجعل اللّه إنسانًا نبيًّا وينزل عليه الوحي فإن هذا أمر جائز ولا يُحيله العقل. وفي بعثة الأنبياء مصلحة ضروريّة للعباد لحاجتهم لذلك، فاللّه تعالى تكرّم على عباده بأن أرسل إليهم أنبياء فضلًا منه وكرمًا ورحمة ولو لم يُرسل اللّه تعالى الأنبياء لم يكن ظالمًا لأنه سبحانه لا يجب عليه شىء والظلم عليه مستحيل لا يليق به. وقد أَوْضح ربّ العزة عزّ وجلّ الغاية من إرسال الأنبياء والرسل الكرام إلى الناس، قال سبحانه: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ سورة النساء/165
واعلم أخي المسلم أن اللّه عزّ وجلّ لو خَلَق الخَلْقَ وأدخل فريقًا منهم الجنّة وفريقًا النار لِسَابِقِ عِلْمِهِ أنهم لا يؤمنون لكان شأن المعذّب منهم ما وصف اللّه تعالى بقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءايَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ سورة طه/134، فلو لم يبعث اللّه عزّ وجلّ الرسل إلى عباده ليبيّنوا لهم ما هو الخير وما هو الشر ثم عاقبهم على عملهم السوء لقالوا: ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولًا أي لِمَ لم تُرسل إلينا رسولًا نتّبعه، فقطع اللّه عليهم العذر بأن أرسل الأنبياء، فالأنبياء وظيفتهم أن يبيّنوا ما حرّم اللّه على العباد ويبيّنوا لهم كذلك ما هو فرض عليهم ومطلوب منهم جزمًا أن يفعلوه، هذه وظيفة الأنبياء. ثم اللّه تعالى لو لم يرسل رسلًا فعذّب من شاء لم يكن ظالمًا لكنه سبحانه وتعالى أرسل الرسل إلى عباده فقطع بذلك العذر على الكافرين.
فاللّه عزّ وجلّ جعل أنبياءه الأطهار عليهم السلام مُنْقِذين للناس من ظلمات الجهل والضلالة إلى نور الهداية والإيمان، قال عزّ مِنْ قائل: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ سورة إبراهيم/5، ومعنى ﴿ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾ أي بنعم اللّه عليهم.
فلا سبيل إخوة الإيمان إلى السعادة والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة إلّا باتباع الرسل والأنبياء الكرام الأطهار عليهم السلام.
واعلموا إخوة الإيمان أن اللّه تبارك وتعالى جعل أنبياءَه صفوةَ خَلقه وجعل من بينهم صفوتهم وأفضلهم وأكملهم سيّدنا الأعظم محمّدًا الذي أنشأه اللّه عزّ وجلّ أطيب نشأة وأزكاها وأطهرها وأبرأها وأبعدها من كل نقيصة أو دنيّة حتى كان صلى الله عليه وسلم زينة المجالس في قومه، وما كان يُدعى بينهم إلا بالصادق الأمين لما جرّبوا عليه من عظيم صدقه وأمانته عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.
وليعلم إخوة الإيمان أن اللّه تبارك وتعالى اصطفى أنبياءه عليهم السلام من أحسن قومهم نسبًا، وبرّأهم وطهّرهم من العيوب الجسمية المشوّهة، وأعطاهم أكمل صفات الرجولة من الشجاعة والمروءة وصدق العزيمة وقوّة الهمّة وشدّة البأس، وسعة الصدر وحدّة الذهن وذكاء القلب وطلاقة اللسان وحلاوة المنطق، وما إلى ذلك مما يكون به المختار لرسالة ربّه أكمل الرجال في قومه وقبيلته وأملأهم للأسماع والأبصار.
يقول نبيّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيان أصالة نسبه الشريف وعزّته وكرامته حيث إنه عليه الصلاة والسلام خِيْرة اللّه تعالى في جميع القرون والأجيال: «بُعِثْتُ مِنْ خيرِ قُرُونِ بني آدمَ، قَرْنًا فَقَرْنًا، حتّى كنتُ مِنَ القرنِ الذي كنتُ فيه» رواه البخاري. ويقول عليه الصلاة والسلام: «إن اللّه عزّ وجلّ اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كِنانة، واصطفى من بني كِنانة قريشًا واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» رواه أحمد.
واعلم أخي المسلم رحمك اللّه بتوفيقه أن الرسول لا بدّ أن يكون أكمل قومه الذين أُرسِل إليهم عقلًا وفضلًا وفطنة ومعرفة وصلاحًا وعفة وشجاعة وسخاوة وزُهدًا. والأنبياء والرسل
صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين جعلهم اللّه تعالى مُنَزَّهين عن النقائص في الخَلْق والخُلُق، سالمين من العاهات والمعايب التي تُنَفّر الناس منهم وتبعدهم عن الاستجابة لدعوتهم والإيمان بهم.
فلا التفات بعد ذلك أخي المسلم إلى ما قاله الملحدون وَمَنْ لا تحقيق له من أهل التاريخ في إضافة بعض العاهات إلى بعض الأنبياء، بل لقد نَزَّهَ اللّه تعالى أنبياءه كلهم من كل عيب وشَيْن ومن كل شىء يُبغّض منهم العيون أو يُنَفّر منهم القلوب. ولا يجوز يا أخي المسلم أن يكون أحد من الأنبياء ناقص الحسّ لأجل الحاجة إلى كمال الحوّاس في أداء مهمة الرسالة وما يتعلّق بها، يقول النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: «ما بعث اللّه نبيًّا إلا حَسَنَ الوجه حَسَنَ الصوت وإن نبيّكم أحسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا» رواه الترمذي. ولقد قَصَّ اللّه تبارك وتعالى في كتابه الكريم المُنَزّل على خاتم النبيّين وإمامهم سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم من نبإ أولئك الأنبياء ما أبان وأظهر عن جليل قدرهم وسامي مكانتهم وشريف مواقفهم في الذّبّ والدفاع عن دين اللّه الإسلام، دين الحق، والصبر على ما لقوا من أقوامهم من أذى وضيق، فحَلَّ هؤلاء الأنبياء من نفس رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن نفوس أصحابه الكرام وأتباعهم العظام أكرم منزلة وأسمى مكانة وكانت لهم بهم أحسن قدوة
صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين. قال اللّه تعالى في محكم القرءان بعد أن ذكر عددًا من الأنبياء مخاطبًا نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ سورة الأنعام/90، وقال سبحانه لأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ سورة الأحزاب/21. صلوات اللّه وسلامه على سيّدنا محمّد وعلى سائر إخوانه النبيّين والمرسلين الطيّبين الطاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.