الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته الطيّبين الطاهرين.
أما بعد، فإن كلامنا اليوم في بعض أحكام الجماعة والجمعة. فصلاة الجماعة فرض كفاية على الذكور الأحرار المقيمين البالغين غير المعذورين. ويحصل فرض الكفاية بإقامتها بحيث يظهر الشعار بأن تقام في البلد الصغيرة في محلّ وفي البلد الكبيرة في محالّ متعددة بحيث يمكن لقاصدها إدراكها بلا مشقة ظاهرة. وأما صلاة الجمعة فهي فرض عين عليهم ولكن بشروط زائدة وذلك إذا كانوا أربعين مكلفين مستوطنين في أبنية.
فصلاة الجماعة هي فرض كفاية في الصلوات الخمس في حق الذكور، الأحرار، المقيمين، البالغين، غير المعذورين، وليست فرضًا على النساء لأن المرأة مطالبة بالمبالغة في الستر. وخرج بالمقيمين المسافرون فمن دخل بلدة ونوى الإقامة فيها أقل من أربعة أيّام فالجماعة في حقه غير فرض. وخرج بالبالغين الصبيان فليست فرضًا في حقهم لعدم التكليف لكن يجب على الولي أن يأمر الصبي المميّز بالجماعة والجمعة. وخرج بغير المعذورين المعذورون، ومن الأعذار التي تسقط وجوب الجماعة: المرض الذي يشقّ معه الخروج إلى الجماعة، والمطر الذي يبل الثوب وغير ذلك وهي كثيرة.
وصلاة الجمعة ركعتان ولها شروط وهي أن تقع وقت الظهر فلا تقضى الجمعة جمعة وإنّما تقضى إذا فات وقتها ظهرًا، ومن شروطها خطبتان قبلها بعد دخول الوقت وأن تصلى جماعة بالأربعين وأن لا تقارنها أو تسبقها جمعة أخرى ببلدها. وقال بعض الشافعية يجوز التعدد للحاجة.
وأما أركان الخطبتين فهي خمسة.
أولها: حمد اللّه بلفظ الحمد للّه أو للّه الحمد أو حمدًا للّه أو نحو ذلك.
والثاني: الصلاة على النبيّ بنحو اللّهم صلّ على محمّد أو
صلّى اللّه على محمّد.
والثالث: الوصية بالتقوى وهي المقصود الأعظم، فلا يكفي التحذير من الدنيا بل لا بد من الحث على الطاعة أو الزجر عن المعصية، ولا يشترط لفظ التقوى فلو قال: أطيعوا اللّه كفى.
وهذه الثلاثة يشترط أن تكون في كل من الخطبتين.
والرابع: آية مفهمة أي يفهم المصلون منها وعظًا أو حكمًا وإن كانت متعلّقة بقصة في إحدى الخطبتين والأفضل أن تكون قراءة الآية في الخطبة الأولى لتقابل الدعاء في الثانية.
والخامس: الدعاء للمؤمنين الشامل للمؤمنات في الخطبة الثانية.
والجماعة في صلاة الجمعة فرض فلا تصح فرادى. وفرضيتها على من كان موصوفـًا بالأوصاف السابقة أي الذكورة والحرية والإقامة والعقل والبلوغ وعدم العذر. وإنما تجب الجمعة عليهم إذا كانوا أربعين ذكرًا مستوطنًا إقامتهم في خطة أبنية ولو كانت الأبنية من خشب أو قصب، ولا تجب على أهل الخيام لأنّهم على هيئة المسافرين. وكذلك تجب الجمعة على من نوى الإقامة في بلد الجمعة أربعة أيّام صحاح أي كوامل، غير يومي الدخول والخروج، فأكثر لأنه بذلك ينقطع السفر.
وشروط الخطبتين تسعة:
الأول: الطهارة عن الحدث الأصغر والأكبر والطهارة عن النجاسة غير المعفو عنها في البدن والمكان وما يحمله من ثوب وغيره.
والثاني: ستر العورة.
والثالث: القيام فيها للقادر.
والرابع: الجلوس بينهما فلو تركه ولو سهوًا لم تصحا، وأقل هذا الجلوس قدر الطمأنينة وأكمله قدر سورة الإخلاص.
والخامس: الموالاة بينهما وبين أركانهما وبينهما وبين الصلاة.
والسادس: أن تكون أركان كل منهما بالعربية وإن كان كل الحاضرين أعاجم.
والسابع: كونهما بعد الزوال أي بعد دخول وقت الظهر.
والثامن: سماع الأربعين الأركان ولا يشترط سماعهم كل الخطبة.
والتاسع: كون الخطبتين قبل الصلاة.
وليعلم أنّه يحرم التشاغل عن الجمعة ببيع ونحو ذلك بعد الأذان الثاني ويكره قبله وبعد الزوال.