بين عدن وحضرموت تقع «الأحقاف» وكانت مساكن قوم عاد، وتعتبر من أعمر البلاد وأكثرها عمارة وزرعًا وشجرًا. فلما سلّط اللّه عليهم الريح طمت بالرمل وهي الآن تحت تلك «الأحقاف» جعلها اللّه تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين. قال اللّه تبارك وتعالى: ﴿أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُواْ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٖ ﴾ سورة غافر.
قصة القصرين
وفي اليمن قصران من قصور عاد. ولما أرسل معاويةُ بن أبي سفيان عبدَ الرحمن بن الحكم إلى اليمن واليًا، بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وأنّ في بحرها كنزًا فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى موضع هو الأقرب إلى القصرين. فرأى ما حولهما من الأرض سباخًا -أي طينًا- بها آثار الآبار، ورأى قصرًا مبنيًّا بالصخر والكلس، ثمَّ تحول عبد الرحمن بن الحكم إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ فرأى حوله آثار الجنان والبساتين.
قال عبد الرحمن: فعجبنا مما رأينا ثمَّ مضينا إلى الساحل الذي ذكر أن فيه كنزًا، فأمرنا الغواصين فغاصوا وأخرجوا جرارًا كثيرة ففتحنا بعضها فخرج منها شيطان وقال: يا ابن آدم إلى متى تحبسنا!
قال عبد الرحمن: فبينما نحن نتعجب من ذلك إذ رأينا سوادًا عظيمًا أقبل من جزيرة قريبة من الساحل ففزعنا فزعًا كبيرًا واقتحم ذاك السواد الماء وأقبل نحونا فإذا هي قردةٌ قد اجتمع منها ما لا يعلم عددها إلا اللّه تعالى. وكانت تلك الجزيرة مأواهم وأمامها قرد عظيمٌ في عنقه لوح حديد معلق بسلسلة فأقبل إلينا ورفع اللوح نحونا فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فيه كتابة بالسريانية، وكان معنا من يحسن قراءتها فقرأها فإذا هي: «بسم اللّه العظيم الأعظم. هذا كتابٌ من سليمان بن داود رسول اللّه لمن في هذه الجزيرة من القردة. إني قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشياطين الـمُحبسين في هذه الناحية في هذه الجرار الصفر وجعلت لهن أمانًا من جميع الجن والإنس فمن أرادهنّ أو عرض لهنّ فهو بريء مني وأنا بريء منه في الدنيا والآخرة».
قال عبد الرحمن: فأردنا أن نمضي باللوح إلى معاوية لينظر إليه، فلما ولينا وقفت القردة كلها أمامنا وحاصرتنا وضجّت ضجّة كبيرة فرددنا اللوح إليها فأَخَذَته واقتحمت الماء وعادت إلى الجزيرة. وقد ذكر هذه القصة القزويني في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد.
قصة موسى بن نصير
وقد سأل سيّدنا عمر بن
عبد العزيز قائده موسى بن نصير عن أغرب ما شاهده في غزواته فقال: يا أمير المؤمنين كنَّا في البحر ذات يوم ونحن في القوارب إذ طافت على سطح الماء فجأة جرار فقمنا بكسر واحدة فخرج منها شىء أسود وهو يقول: «لا والذي بعثك بالحق لا أعود إلى هذا أبدًا» وهو كان يظن أن سيّدنا سليمان عليه السلام ما زال حيًّا. لأنّه كان يحبس المردة من الشياطين في جرار ويختم بخاتمه عليها فلا يستطيعون الفرار.
قال موسى بن نصير: فندمنا ندمًا شديدًا ولم نعد إلى هذا الأمر وهذه الجرار مشابهة للجرار التي وجدها عبد الرحمن بن الحكم.