وُسِمَ الكثير من الرجال عبر العصور بصفة الكرم، وكان البعض وصل به كرمه إلى حدٍّ يثير التعجّب حتى ذكرته كتب التواريخ عبر صفحاتها من كثرة ما أنفق من ماله حتى إنَّ البعض صار من مقلّدي هؤلاء في محاولة الارتقاء إلى مصافهم.
ولكن هيهات… فالكريم كريم السجايا، كريم النفس والطباع والأخلاق، فإذا أعطى كان عطاؤه كالبحر لا ينتظر المقابل ولا يعطي حتى يقول الناس أعطى، بل هو في طبيعته كريمٌ سخيٌّ ويسعى لخدمة الناس من علو أخلاقه، وزهده، ورفعته، وتواضعه.
وقلّما تجد في هذه الأيام من اجتمعت فيه تلك الخصال، وليس كل البذل يكون في المال فهناك أُناس قدّموا ما هو أسمى من ذلك وأعلى، علّموا الناس أمور دينهم من مشرب صافٍ عبر سلسلة ذهبية اتصلت إلى الصحاب ومنهم إلى
رسول اللّه محمّد صلى الله عليه وسلم سيّد الكرماء والأمناء الأوفياء، فشربوا من مشربه العذب وكانوا أُمناء في تعليم الناس عقيدة أهل السنّة والجماعة، غيارى على مصالح العباد، ثقات في النقل، أمناء في الحفظ همّهم مرضاة اللّه تعالى والدار الآخرة، لا يجذبهم مدح الناس لهم بل هم تمنهجوا على حبّ الخير للغير وعملوا بقول اللّه تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾ سورة القصص.
وذلك غاية في الكرم أكرموا أنفسهم فأكرمهُم اللّه وجعل الفتوح على أيديهم، وبارك في وقتهم فأنقذوا أُمّة بهمّة وأمانة وكرم وثقة.
وسلّموا الأمانة ورحلوا مرضيين عند ربهم مُكرمين وحملها أهل الدراية والفهم وقويت بهم الهمم وعلت صروح جمعيتنا بفضلهم وتضافرهم وتقواهم منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا…