الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإن اللّه تبارك وتعالى فرض على عباده المستطيعين حجّ بيت اللّه الحرام. قال اللّه تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ سورة آل عمران/97، وهو واجب في العمر مرة واحدة وكذلك العمرة. وللحج مزيّةٌ ليست للصلاة ولا للصيام ولا للزكاة وهي أنه يُكفّر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلّم: «مَنْ حَجَّ هذا البيتَ فلم يرفُثْ ولم يَفسُقْ رجعَ كيومَ ولدتْهُ أمُّهُ» رواه البخاري. والشرط في ذلك أن تكون نيّته خالصة للّه تعالى وأن يحفظ نفسه من الفسوق أي من كبائر الذنوب ومن الجماع في حال الإحرام وأن يكون المال الذي يتزوّده للحج حلالًا.
ثم إنّ للحج شروطًا، فشروط وجوبه أربعة: الإسلام، والتكليف، والحرية، والاستطاعة. وشرط الصحة واحدٌ هو الإسلام، فيعلم من هذا أنّ الحج يصح من المسلم البالغ المستطيع وغير المستطيع، وكذلك من الصبي الذي هو دون البلوغ سواء أكان مميّزًا أم غير مميّز. فالمميّز يصح منه بمباشرة الأعمال بنفسه كالبالغ. ولا بدّ من إذن وليه، وأما غير المميّز فيصح بطريق الولي بأن يقول الولي مثلًا: جعلت ابني هذا محرمًا ولو كان الصبي غير حاضر، ثم يطوف به الكعبة ويسعى به ويأخذه لعرفة، فالصبي يصح حجّه، لحديث المرأة التي أتت بولد تحمله فقالت: يا رسول اللّه ألهذا حج؟ قال: «نعم ولكِ أجرٌ» رواه مسلم. ثم إذا جعل الوليُّ الصبيَّ غير المميّز محرمًا يفعل عنه ما لا يتأتّى من الطفل مثل ركعتي الطواف ويلزَمُه أن يمنَعَه من المحظورات.
وأما شرط وقوع الحج عن فرض الإسلام بحيث لا يجب إعادته في العمر مرةً أخرى فهو مع الإسلامِ التكليفُ والحرية التامّة.
والاستطاعة التي هي من شروط الوجوب نوعان: استطاعة حسيّة واستطاعة معنويّة، فالأولى وهي الحسيّة هي أن يجد الشخص ما يوصله إلى مكة ويردّه إلى وطنه مِن زاد وما يتبع ذلك فاضلًا عن دينه ومسكنه وكسوته اللائقين به ومؤنة من عليه مؤنته مدّة ذهابه وإيابه مع الأمن على نفسه وماله، وأما الاستطاعة المعنوية فمنها أن تجد المرأة زيادة على ما ذكر محرمًا يرافقها أو نسوة ثقات وهذا أي السفر مع النسوة الثقات إذا كانت تريد الحج الواجب، أما لغير الحج الواجب وهو النفل فلا يجوز لها السفر من أجله وحدها ولا مع النسوة الثقات. ويشمل هذا الحكم سفرها لزيارة الأولياء أو لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلّم فلا يجوز لها أن تسافر بغير نحو محرم.
شروط وجوب الحج:
الإسلام: شرط صحة
التكليف، الحرية: شرطان حتى يكون المسلم قد أدّى فرض الحج
الاستطاعة:
فيصح الحج من المستطيع وغيره.
وكذلك من الصبي والمجنون.
والصبي:1- إن كان مميزًا: يباشر الأعمال بنفسه بإذن وليّه.
2- وإن كان غير مميّز: عن طريق الولي.
أركان الحج
وأركان الحج ستة وهي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير والترتيب في أغلب الأركان، وهذه الأعمال لا يصح الحج بدونها.
أولها: الإحرام
ومعنى الإحرام نيّة الدخول في النسك، والنسك هو عمل الحج أو عمل العمرة، فيقول بقلبه مثلًا: «دخلت في عمل الحج أو العمرة» هذا إن كان في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، فإذا نوى في هذه الأيّام الحج انعقدت نيّته عن فرض الحج أما لو نوى قبل أن تدخل أشهره انقلب إحرامه إلى إحرام بعمرة لأنه نوى الحج قبل وقته.
الثاني: الوقوف بعرفة
ووقته فيما بين زوال شمس اليوم التاسع وطلوع فجر يوم العيد ويجزئ بأي جزء من أرض عرفة ولو كان على ظهر دابة أو شجرة أو كان مارًّا ولم يمكث فيها أو كان نائمًا.
الثالث: طواف الإفاضة
ويكون بعد انتصاف ليلة النحر أي ليلة العاشر من ذي الحجة، ومعنى الطواف هو أن يدور الحاج حول الكعبة سبع مرات وقد جعل الكعبة عن يساره مارًّا لجهة الحجر. ومن شروطه: أن يبدأ بالحجر الأسود ولا يتقدّم عليه وأن يكون عدد الطوفات سبعًا يقينًا، فلو شكّ في العدد أخذ بالأقل كالصلاة. وأن يكون داخل المسجد ولو على سطحه. وأن يكون الطواف بالكعبة خارجها وخارج الشاذروان والحِجر بجميع بدنه. والطهارةُ عن الحدثين وعن النجاسة وسترُ العورة.
الرابع: السعي بين الصفا والمروة
ويكون سبع مرات، وواجباته ثلاثة: البداءة في الأوتار بالصفا وفي الأشفاع بالمروة، وكونه بعد طواف وكونه سبعة أشواط.
الخامس: الحلق أو التقصير
والحلق هو استئصال الشعر بالموسى، والتقصير أن يؤخذ منه شىء قليل أو كثير من غير استئصال ووقت إجزاء الحلق أو التقصير من النصف الثاني من ليلة العيد، وقبل ذلك حرام أن ينتف الحاج شعرة واحدة من شعر بدنه. والتقصير جائز للنساء كما هو جائز للرجال لكن الحلق بالموسى خاص بالرجل وهو أفضل في حقّه من التقصير.
السادس: الترتيب في معظم الأركان
ينبغي تقديم الإحرام على جميع الأركان وتأخير الطواف والحلق أو التقصير عن الوقوف بعرفة.
واجبــــــات الحــــــــج
أما واجبات الحج فهي الأمور التي تجبر بالدم ولا يفسد النسك بتركها بخلاف الركن فلا يصح الحج بدونه.
ومن واجبات الحج الإحرام من الميقات وهو الموضع الذي عيّنه رسول اللّه ﷺ ليحرم منه. وهو بالنسبة للمكي مكة وبالنسبة لغير المقيم بمكة يختلف، فمن كان متوجهًا من طريق المدينة ميقاته ذو الحُلَيْفَة، ومن كان متوجهًا من الشام ومصر والمغرب ميقاته «الجُحْفَة»، ومن تهامة اليمن ميقاته «يَلَمْلَم» ومن نجد الحجاز ونجد اليمن «قَرْن الثعالب» ومن المشرق «ذات عِرْق». وأما بالنسبة للعمرة فمن كان خارج الحرم ميقاته ميقات الحج ومن كان بالحرم يلزمه أن يخرج إلى خارج حدود الحرم من أي جهة كان وهذه المواقيت تسمّى الميقات المكاني، وأما الميقات الزماني فهو للحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، وللعمرة الأبد.
ومن واجبات الحج المبيت بمزدلفة بعد نصف ليلة النحر ولو لحظة وعلى قول لا يجب. وكذلك المبيت بمنى على قول هو غير واجبٍ ولكن يختلف عن المبيت بمزدلفة أنه معظم الليل وهو ثلاث ليالٍ.
ومنها رمي جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات ويدخل وقته بنصف الليل. ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق بعد الزوال كل واحدة سبعًا.
ومنها طواف الوداع وعلى قول هو غير واجب.
وهذه الأمور الستة من لم يأت بها لا يفسد حجّه إنما يكون عليه إثم وفدية بخلاف الأركان التي مرَّ ذكرها فإن الحج لا يحصل بدونها.
واللّه تعالى أعلم وأحكم.█