انتظار جميل وأيّام ترقب شيّقة… متعة استعداد لقدوم حبيب نتلهّف لرؤيته… ليالي سهر وتعب وأرق وأيّام وهن نعيشها واضعين نصب أعيننا الهدف الأكبر للرحلة المؤقتة… وتأتي اللحظة المرتقبة… فنرى أخيرًا وجه طفل وُضِعَ حُبُّهُ في قلوبنا قبل أن نُبصِرَه، ونعايش نوعًا جديدًا من المشاعر ما عهدنا مثلها قبل الطفل الأول. ولكن بعد الانبهار الأولي وفيض المشاعر الجيّاشة، تأتي الحقيقة التي غالبًا ما نجد أنفسنا فيها دون فهم كامل لطبيعتها أو مداها: هذا المخلوق الصغير هو مسؤوليتنا، ومن الآن وصاعدًا راحته تأتي قبل راحتنا، واحتياجاته تُلَبَّى على حساب كثير من احتياجاتنا. فماذا بعد؟

فترة الأسابيع الأولى من حياة الرضيع تكون في العادة من أصعب الفترات على الأم والأب والرضيع أيضًا. فقد خرج الرضيع من عالم مظلم وأصوات مألوفة إلى آخر مضيء وغير معهود. الأم تعاني من تغيير هرموني جذري وتعب شديد إثر الحمل والولادة، والأب يجد نفسه فجأة تحت وطأة مسؤولية أكبر وضغط نفسي للتعامل مع الوضع الجديد. في خضم كل هذا علينا أن نتذكر: هذه الأوقات كلها ستمر، وما هي إلا أيّام حتى تصبح الكثير من المعاناة الحالية مجرد ذكرى.

الاحتياجات الفيزيولوجية:

الطفل حديث الولادة يحتاج للغذاء بشكل شبه مستمر. فبعد أن كان متصلًا بأمه وتصله حاجاته الغذائية على مدار الساعة من دم الأم، انفصاله عن مصدر الغذاء المستمر يعني أنّه سيختبر شعور الجوع والعطش، وسيحتاج جسمه للتزوّد بالغذاء بشكل دوري، فمعدته صغيرة وكبده في طور النمو لا يقوى بعد على تخزين الطعام لفترات طويلة. لا تتذمّري عزيزتي الأم من استيقاظه المتكرّر بهدف الغذاء، ولا تجربي أن تعوديه على نظام معين في الأسابيع الأولى، بل أرضعيه عند الطلب وتأكدي من أن وجبته تشبعه. انتبهي أيضًا لعدد الحفاضات المبلّلة أو المتسّخة التي يستخدمها الطفل كإحدى الإشارات بأنه يأخذ كفايته من الطعام في اليوم والليلة.

الطفل يحتاج أيضًا إلى سماع نبضات قلب الأم وإلى القرب منها ومن الأب والشعور بدفء التلامس الجسدي على جلده. وكما يقال إنه في كثير من الأحيان يكون بكاء الطفل بحثًا عن طمأنينة الأصوات المألوفة في جسد أمه، كما أن لمس الطفل وتدليكه بلطف يعزّز نموه الجسدي والنفسي ويجعل نومه أفضل.

الساعة البيولوجية

لا يعرف طفلك الليل من النهار بعد، وسيكتسب تدريجيًّا هذه المعرفة بعد أن يعتاد على الأنماط من حوله وسيتأقلم جسده مع المحفّزات في بيئته المحيطة. لذلك يبدو لك أن طفلك لا يفعل سوى الأكل والنوم بعد تنظيفه. وسيبدو لك في لحظات التعب أنّك لم يتسنَّ لك بعد أن تأخذي قسطًا كافيًا من الراحة. فما الحل؟

غالبًا ما يبدأ الأطفال بالنوم لفترات أطول بين الأسابيع الستة والعشرة الأولى، بعد أن يستطيع تخزين الطعام لوقت أطول. فعلينا أولًا أن نتذكر بأن هذه الأيام وإن بدت للبعض عصيبة إلا أنها ستتحسن تدريجيًّا.

أنصح الأم بالنوم حين ينام الطفل كي لا يزيد تعبها، وأن توكل بعض المهام المنزليّة لغيرها كي تتفرغ لرعاية طفلها ونفسها بعد الولادة. أشركي أيضًا عزيزتي الأم زوجك برعاية طفلك دائمًا، وخاصة حين تحتاجين للنوم لفترة أطول. إن كان يوجد حولك من يساعدك، تيقّني من أن تتعلّمي كل المهارات المطلوبة لرعاية طفلك رعاية كاملة بعد ذهاب المساعدين.

ساعدي طفلك على التفريق بين الليل والنهار بأن تتبعي أنماطًا معينة. فحين ينام الطفل في النهار دعيه ينام في مكان فيه القليل من الجلبة والصخب والإضاءة الطبيعيّة، وعرضيه للقليل من أشعة الشمس في الأوقات التي يكون فيها التعرض للشمس آمنًا. أما في الليل فاحرصي أن تكون الأضواء باهتة والأصوات خافتة، حتى صوتك حين تخاطبينه اجعليه همسًا ولا تشعلي الأضواء القويّة ولا التلفاز بشكل عالٍ. عوّديه على التدليك بلطف أو قراءة قصة أو شىء من القرءان أو أذكار المساء. حافظي على هذه العادات لتساعدي طفلك على التأقلم مع دورة الليل والنهار.

باتباع الخطوات المناسبة وتذكّر الصبر الجميل، ستجدين بأن ما يقلقك اليوم سيصبح في القريب العاجل جزءًا من الماضي. أيام المعاناة الأولى لا تبقى لوقت طويل، وستعتادين على طبيعة طفلك وتجدينه يتفاعل معك بشكل أفضل في وقت قصير. تجلّدي في اللحظة ولو أحسست أنها متأزمة، فطفلك لا يتعمد تعذيبك بل هو بحاجة إلى عطفك وحنانك بشكل أكبر حين يكون منزعجًا. تجنبي العصبيّة في التعامل مع الأطفال، فقد ينتج عنها أذى غير مقصود. إن وجدت نفسك في حالة من الانفعال الشديد التي قد تفقدين معها السيطرة على ردود أفعالك، أعطي الطفل لشخص آخر أقل انفعالًا ريثما تهدئين إن وجدت أحدًا، وإلا فضعيه في مكان آمن لدقائق قليلة بينما تغسلين وجهك وتخفّفين من انفعالك لتعودي لطفلك بهدوء وسكينة. تذكّري أن في حسن رعايتك لطفلك والإحسان إليه ثوابًا كبيرًا إن استحضرت النيّة، وإن الأطفال على عناء تربيتهم من زينة الحياة الدنيا.█