يُعتبر «التقويم التربوي» مجالًا واسعًا جدًّا في التربية والتعليم، وقد تطرّقنا في مقالات سابقة لأوجه عدّة منه. إنّه مصطلح يشمل الاختبارات والامتحانات التي يخضع لها الطلّاب في نهاية مرحلة من تحصيلهم العلمي بغية تقويم ما تعلّموه، ولكنّه أوسع من ذلك فهو يشمل أيضًا التقويم المتبادل والذي يتضمّن تقويم التلميذ لأداء المُعلّم، والتقويم الذاتي الذي يقوم به هذا الأخير. هذا النوع من التقويم هو موضوع مقالنا هذا. فما هو تعريف هذا النوع من التقويم؟ وما هي فوائده ووسائله؟ وما هي الاستنتاجات والتوصيات التي تنتج عنه؟ هيّا بنا لنتعرّف معًا على أجوبة هذه الأسئلة.
مفهوم التقويم الذاتي للمُعلّم وتعريفه وأهمّيته
إنّ عمليّة التقويم الذاتي المتكاملة هي من أبرز مراحل التطوّر المهني فهي تلقي الضوء على أداء المُعلّم وتبرز له تطابق أدائه مع المهارات الأساسيّة. وهذا من شأنه مساعدته على التخطيط لنشاطات التطوير المهني لذا اهتمّ الباحثون في تعريفه فقال بعضهم: هو مقدرة المعلم على الحكم على طريقة تدريسه بصدق وقدرته على أن يرى بوضوح حجم التعلُّم الذي يحدث عند تلاميذه نتيجةً لأدائه.
وأضاف بعضهم إلى ذلك قدرة المُعلّم على الإصلاح إذا ما ظهرت له ثغرة أو نقطة ضعف في أدائه.
إذًا هي قدرة المعلّم على معرفة مدى نجاحه في تحقيق الأهداف ومدى فعالية الأساليب والطرق التي يتبعها في تدريسه وتحديد الصعوبات والمشكلات التي تواجهه في عمله، وإتباع ذلك بوضع الخطط المناسبة لتذليل تلك الصعوبات وحلّ هذه المشكلات.
فإذا كان المعلم مقتنعًا بعمليّة التقويم الذاتي فهذا الاقتناع سينعكس بشكل جيّد على أدائه لأنه سيواكب بشكل مستمر المستجدات ويأخذ بالأنسب من الطرق والأساليب وسيلجأ إلى تحسين جملة من المسارات في عمله سواء ما يتصل منها بطرق التدريس أو أشكال التفاعل مع المحيط التعليمي وهذا التغيير المستمر سوف يبعده عن مواقع الزلل والتقصير والإخفاق ويقرّبه من النجاح في عمله.
طرق التقويم الذاتي للمعلّم
تتعدّد الوسائل التي تمكّن المعلّم من إجراء التقويم الذاتي ومنها، على سبيل المثال لا الحصر:
- كتابة تقرير أسبوعي عن عمله يبيّن فيه نقاط القوّة ونقاط الضعف بناء على مراجع موثوقة في هذا المجال.
- الأخذ بآراء الطلاب حول الطرق التي يقترحونها لتحسين عملية التعلم، هذا من باب الاستئناس فالتلميذ أحيانًا لا يملك المعايير لتقويم معلّمه ولكن يكون ذلك من باب الوقوف عند حاجات طلّابه وقدراتهم. وقد تكلّمنا عن تقويم الطالب لمعلّمه في مقالٍ سابقٍ.
- تسجيل أو تصوير بعض الحصص التعليميّة ثم تحليلها ونقدها بناءً على معايير محدّدة.
- حضور حصص غيره من المعلّمين سواء في الحقيقة أو على الإنترنت ومقارنة عمله بأعمال الآخرين للاستفادة من نقاط القوّة عندهم.
- المناقشات التربويّة البنّاءة مع الزملاء والتي تهدف أيضًا للاستفادة من خبرات الآخرين.
وفي كلّ هذه الوسائل يُنصح بالاستفادة من الكتب والمراجع التربويّة في مجال التشخيص والعلاج لتكون معايير التقويم غير مبنيّة على الرأي بل على الأبحاث في هذا المجال.
نتائج التقويم الذاتي
لا ينتهي التقويم الذاتي عند المعطيات بل يتعدّاها لوضع خطط للعلاج مثل:
- تحديد احتياجات لتدريب لاحق قد يخضع له:
من أهم نتائج التقويم الذاتي الكشف عن احتياجات المعلّم للتدريب في مجالٍ ما، الأمر الذي يجعل برامج التدريب أكثر فعالية لأنها تأتي ملبية لحاجة المعلم فتدعم أداءه. وهذا من شأنه بيان مواطن الضعف ومواطن القوّة عنده فيستتبعه إجراءات لعلاج التقصير أو زيادة الخبرة ما يجعل المعلم أكثر ثقة بنفسه وأقدر على العطاء وأكثر قربًا من النجاح. هذه الثقة تساعده على ضبط الصفّ لما لها من أثرٍ جيد على علاقته مع التلاميذ.
- تحديد الأهداف والمستويات:
يستطيع المعلم من خلال التقويم الذاتي رسم أهداف لعمله قابلة للتحقيق لا لسهولتها بل لأنّها تناسب مستويات الطلاب وتتلاءم مع الوقت وطبيعة المناهج الدراسيّة.
- إشراك الطلّاب بحسب القدرات الشخصيّة لكلٍ منهم:
تكشف عملية التقويم الذاتي للمعلم عن الفروق الفرديّة بين طلابه في مستوى الفهم والاستيعاب والمواقف والميول والاتجاهات. فيراعي المعلّم ذلك في التعامل معهم وتصميم الأنشطة الملائمة لهم.
من هنا نلاحظ أنّ عمليّة التقويم التربوي تساعد المعلّم على اجتناب الرتابة مع مرور السنين وهذا الأمر الذي طالما يشتكي منه الطلّاب لجهة اتّساع الهوّة بين جيل اليوم وطرق تعامل الأستاذ. ولكن للوصول إلى هذا الهدف ينبغي عدم الوقوف عند التقويم بحدّ ذاته بل البناء عليه لوضع خطط مستقبليّة من شأنها تكييف أداء المعلّم مع حاجات طلّابه وإبقاؤه ضمن الأساليب المعاصرة في مجال التربية.
نختم ببعض الأسئلة التي قد تساعد المعلم في تقويم أدائه عبر الإجابة عنها:
– هل أصوغ أهدافي بصورة سلوكيّة وأختار ما يناسبها من أنشطة وأساليب وإجراءات تقويم؟
– هل يعكس الهدف تغيّرًا في سلوك المتعلّم يمكن ملاحظته وقياسه؟
– هل أطرح أسئلة ملائمة لمستويات التلاميذ المختلفة؟
– هل أطرح أسئلة مثيرة لطرق التفكير المختلفة؟
– هل أترك فترة صمت بعد طرح السؤال لأعطي التلاميذ زمنًا كافيًا للتفكير في الإجابة وعدم التسرّع؟
– هل أتجنّب اختيار تلميذ بعينه قبل طرح السؤال؟
– هل أشجع الطلّاب على طرح الأسئلة؟
– هل أجيب على أسئلة التلاميذ بشكل مقنع؟
– هل أعالج الموقف بحكمة إذا طرح تلميذ سؤالًا خارجًا عن موضوع الدرس؟
– هل أؤجل الإجابة عن سؤال يطرحه تلميذ عندما لا أستطيع الإجابة مع مصارحتهم بذلك؟
– هل أوفر نشاطات تعليميّة يكون للطالب دور أساسي فيها؟
– هل أنوع الأساليب التعليميّة وأعتني بضوابطها؟
– هل أوفر عنصر الإمتاع للنشاطات التعليميّة دون انتقاص من قيمتها العلميّة؟
– هل أوزع اهتمامي على جميع التلاميذ؟
– هل أتجنب الانفعال والتسرّع في معالجة المشكلات النظاميّة؟
وغيرها الكثير من الأسئلة التي يمكن لكلّ معلّم إضافتها، والتي يستطيع استقاءها من مراجع تربويّة.█