الحمد للّه ربّ العالمين، مدبّر الخلائق أجمعين، باعث الرسل والأنبياء صلواته وسلامه عليهم إلى المكلفين لهدايتهم وبيان شرائع الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمّد الهادي الأمين وعلى آله وصحابته الطيّبين الطاهرين.

تأييد الأنبياء بالمعجزات

اعلموا رحمكم اللّه بتوفيقه أن اللّه تبارك وتعالى أيّد أنبياءه الأطهار بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقهم في دعواهم النبوّة.

فالسبيل إلى معرفة النبيّ هو المعجزة، فما من نبيّ إلا وكانت له معجزة، والمعجزة أخي المسلم هي العلامة الشاهدة التي تشهد أن هذا الإنسان الذي يقول عن نفسه إنه
نبيّ اللّه صادق في دعواه النبوّة. وقد أعطي نبيّنا المصطفى ﷺ من المعجزات أكثر من غيره من الأنبياء لعظيم فضله عند اللّه وكونه أشرف الأنبياء وأفضلهم حتى قيل: إن المعجزات التي حصلت في حياته ﷺ بين الألف والثلاثة آلاف. وأعظم معجزات نبيّنا الأعظم ﷺ هي معجزة القرءان الكريم التي هي باقية على تعاقب السنين، يقول الإمام الشافعي رضي اللّه عنه: «ما أعطى اللّه نبيًّا معجزة إلا وأعطى محمّدًا مثلها أو أعظم منها». فمن لم يتعلّم، معشر المسلمين، شيئًا من معجزات نبيّنا الأعظم عليه الصلاة والسلام يكون مقصّرًا تقصيرًا كبيرًا.

وأما تعريف المعجزة أخي المسلم فهي أمر خارق ومخالف ومناقض للعادة يأتي على وفق دعوى من ادّعى النبوّة كانفجار الماء الزلال من بين أصابع سيّدنا محمّد ﷺ في عدة مواقع، وعدم إحراق النار العظيمة سيّدنا إبراهيم عليه السلام، فما لم يكن موافقًا لدعوى النبوّة لا يسمّى معجزة كالذي حصل لمُسَيْلِمة الكذّاب الذي ادّعى النبوّة كذبًا وزورًا وذلك أنه مسح على وجه رجل أعور فعميت العين الأخرى، فإن هذا الذي حصل لهذا الرجل الكذّاب مناقض لدعواه النبوّة وليس موافقًا لها.

واعلم أخي المسلم رحمك اللّه بتوفيقه أن هذا الأمر الخارق والمخالف للعادة سالم من المعارضة بالمثل أي لا يستطيع المعارضون المكذّبون لهذا النبيّ أن يفعلوا مثله. وليعلم إخوة الإيمان أنه ليس من شرط المعجزة أن تكون مقرونة بالتحدي وإنما من شرطها كما قال العلماء أن تكون صالحة للتحدي. فمن هذا التعريف للمعجزة نعلم أنه ما كان من الأمور عجيبًا ولم يكن خارقًا للعادة فليس بمعجزة، وكذلك ما كان خارقًا ومخالفًا للعادة لكنه لم يقترن بدعوى النبوّة كالخوارق للعادة التي تظهر على أيدي الأولياء أتباع الأنبياء عليهم السلام فإنها لا تسمّى معجزة لهم بل تسمّى كرامة أكرمهم اللّه بها. وكذلك يا أخي المسلم، ما يستطاع معارضته بالمثل لا يسمّى معجزة وذلك كالسحر فإن السحر يعارض بسحر آخر مثله وأما المعجزة فلا يستطيع المعارضون المكذّبون للنبيّ أن يفعلوا مثلها. وأما ما يحدث للنبيّ من الخوارق للعادة قبل دعوى النبوّة فيسمّى كما قال العلماء إرهاصًا كإظلال الغمامة لنبيّنا وتسليم الحجر عليه ﷺ قبل أن يبعث نبيًّا. وسُمّي إرهاصًا لأنه تأسيس لقاعدة نبوته ﷺ وإثبات لها.

ومن المعجزات التي حصلت للأنبياء قبل سيّدنا محمّد ﷺ خروج ناقة نبيّ اللّه صالح عليه الصلاة والسلام من الصخرة الصمّاء، فقد اقترح عليه قومه المشركون ذلك وقالوا له: إن كنت نبيًّا مبعوثًا إلينا لنؤمن بك فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة -وهي أنثى الجمل- وفصيلها -أي ولدها-، فأخرج لهم
نبيّ اللّه صالح عليه السلام بمشيئة اللّه وقدرته ناقة معها ولدها من تلك الصخرة فاندهشوا لهذه المعجزة الباهرة فآمن به بعضهم ودخلوا في دين الإسلام. وكذلك عدم تأثير النار العظيمة على سيّدنا إبراهيم عليه السلام حيث لم تحرقه ولم تحرق ثيابه، وكانت هذه النار عظيمة جدًّا لدرجة أنهم ما استطاعوا من قوتها أن يقتربوا منها فقذفوه إليها عن بُعْد بالمنجنيق، ولكن اللّه عزّ وجلّ سلّم نبيّه إبراهيم عليه السلام منها فكانت بإذن اللّه ومشيئته بردًا وسلامًا عليه فلم تحرقه ولا ثيابه وإنما أحرقت القيد الذي قيّدوه به.

ومن المعجزات العظيمة التي حصلت لسيّدنا موسى عليه السلام انقلاب عصاه ثعبانًا حقيقيًّا وذلك لمّا تحدّى فرعون مصر الطاغية الذي ادّعى الألوهية، فقد جمع فرعون اللعين سبعين ساحرًا من كبار السحرة الذين عنده فألقوا الحبال التي كانت بأيديهم فخيّل للناس الحاضرين أنها حيّات تسعى، فألقى سيّدنا موسى عليه السلام عصاه فانقلبت بإذن اللّه ومشيئته ثعبانًا حقيقيًّا أكل تلك الحبال التي رماها السحرة، فعرف سحرة فرعون أن هذا الذي فعله نبيّ اللّه موسى عليه السلام ليس من قبيل السحر وإنما هو أمر خارق للعادة لا يستطيعون معارضته بالمثل، لذلك آمنوا باللّه ورسوله موسى عليه السلام، وقالوا: آمنا بربّ موسى وهارون، فغضب فرعون الطاغية عليهم وازداد غيظًا، لأنهم آمنوا قبل أن يأذن لهم وهددهم بالقتل إن لم يرجعوا عن الإيمان بربّ موسى وهارون، فلمّا لم يرجعوا نفذ فيهم تهديده وقتلهم فماتوا رحمهم اللّه تعالى، مؤمنين شهداء ونالوا درجة عالية عند اللّه.

ومن المعجزات الباهرة التي حصلت لسيّدنا عيسى عليه السلام إحياء الموتى، فقد كان ملك من الملوك الذين كانوا في زمن عيسى عليه السلام محمولًا على أيدي الناس على النعش يذهبون به، فدعا سيّدنا عيسى المسيح عليه السلام اللّه أن يحييه فأحياه اللّه بقدرته ومشيئته، ورأى اليهود هذه المعجزة بأم أعينهم ومع ذلك كذّبوه وقالوا له أنت ساحر.

وكذلك من معجزات سيّدنا عيسى عليه السلام إبراء الأكمه أي الذي وُلِد أعمى، فقد كان عليه السلام يؤتى بالأعمى الضرير فيمسح له على وجهه بيده الشريفة فيتعافى بإذن اللّه ومشيئته.

المعجزات دليل ساطع على صدق الأنبياء

إن المعجزة تدل على صدق الأنبياء في كل ما جاؤوا به عن اللّه، وهي دليل على صدقهم شرعًا وعقلًا، فكل هذه المعجزات التي ذكرناها تدل على صدق هؤلاء الأنبياء في ما جاؤوا به من وجوب الإيمان باللّه تعالى وعبادته وحده من غير إشراك به ووجوب طاعتهم في ما يأمرون الناس به، ومن أنكر أمر المعجزة وما تدل عليه يكون مهدرًا لصحة وقيمة البرهان العقلي.

واعلموا إخوة الإيمان رحمكم اللّه بتوفيقه أن المعجزة كما بيّنا سابقًا هي الأمر الخارق للعادة الذي يظهر على يد من ادعوا النبوّة مع التحدي أي مع كونها صالحة للتحدي مع عدم معارضته بالمثل أي لا يستطيع المكذّبون للأنبياء أن يفعلوا مثله، فإذا ادّعى رجل أنه نبيّ وقارن دعواه خارق ثم قال آخر إن المدعي ليس بنبيّ وأظهر أمرًا خارقًا مثله دلّ ذلك على أن الأول ليس بنبيّ، وهذا الأمر الخارق الذي يظهر على أيدي الأنبياء نازل منزلة قول اللّه تعالى صدق عبدي في كل ما يبلّغ عنّي، أي لولا أنه صادق في دعواه النبوّة لما أظهر اللّه تعالى له هذه المعجزة، فكأن اللّه تبارك وتعالى قال صدق عبدي هذا الذي ادّعى النبوّة في دعواه النبوّة لأني أظهرت له هذه المعجزة لأن الذي يصدّق الكاذب كاذب واللّه يستحيل عليه الكذب، فدلّ ذلك على أن اللّه تعالى خلق للنبيّ هذه المعجزة لتصديقه، إذ كل عاقل يعلم أن إحياء الموتى لعيسى عليه السلام، وقلب العصا ثعبانًا حقيقيًّا لموسى عليه السلام وعدم تأثير النار العظيمة على إبراهيم عليه السلام حيث لم تحرقه ولا ثيابه بل كانت بردًا وسلامًا عليه معجزات باهرات دالّة على صدق هؤلاء الأنبياء، وكذلك ما أيّد اللّه تعالى به سيّدنا محمّدًا من معجزات كثيرة كنبع الماء العذب من بين أصابعه الشريفة ﷺ، ومعجزة الإسراء والمعراج وحنين الجذع الخشبي له عليه الصلاة والسلام وغير ذلك من المعجزات التي أيّد اللّه تعالى بها نبيّه المصطفى ﷺ وهي كثيرة جدًّا كلّها دالّة على صدقه.

وكل هذه المعجزات التي أيّد اللّه تبارك وتعالى بها أنبياءه الأطهار تدل على صدقهم فيما جاؤوا به من عند اللّه شرعًا وعقلًا، واعلموا إخوة الإيمان أن العلم بمعجزات الأنبياء يحصل بالمشاهدة لمن شاهد هذه المعجزة في زمن ذلك النبيّ أو ببلوغ خبرها إلينا بطريق الخبر المتواتر في حق من لم يشاهدها، ومثال ذلك يا أخا الإسلام أننا عَلِمنا بالبلدان النائية البعيدة بالخبر المتواتر، وكذلك الحوادث التاريخية الثابتة والواقعة لمن قبلنا من الملوك الأعلام المشهورين والأمم السابقة. والخبر المتواتر هو أن يخبر عدد كثير عن جمع كثير بحادثة شهدوها سواء كانت قولية أم فعلية بحيث لا يمكن عادة أن يتواطؤوا على الكذب. فهذا الخبر المتواتر يقوم مقام علمنا لشىء بالمشاهدة العيانية المجردة فهو إذًا علم يقيني كعِلْمِنا لشىء عن طريق المشاهدة، والخبر المتواتر لا يكون إلا صدقًا، وبذلك إخوة الإيمان والإسلام يتبيّن لكل ذي عقل سليم بطلان كلام هؤلاء الملحدين المارقين الذين يقولون إن كل ما جاء به نبيّنا الأعظم محمّد ﷺ وغيره من الأنبياء السابقين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين هو من قبيل السحر وهو تخدير لأفكار الناس الذين اتبعوهم. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا وبهتانًا.

وكلام هؤلاء الملحدين ما هو إلا تمويه على ضعفاء العقول من العوام ويجب نبذه وردّه وبيان زيفه لأن هؤلاء العوام من ضعفاء العقول لا يعرفون الفرق بين السحر والمعجزة. فهناك فرق كبير ومميّز عند أهل العلم وأصحاب العقول النيرة بين السحر وبين المعجزات التي يؤيّد اللّه تعالى بها أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام فافهم ذلك أخي المسلم واللّه يتولّى هداك.

واللّه سبحانه وتعالى أعلم وأحكم وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.█