عمل أبو عماد بائعًا للعصير منذ أن ترك عمله بسبب بلوغه سن التقاعد. ولأنه رجل كبير ولا يرغب في الجلوس في المنزل اتخذ مهنة بيع العصير، وهو لهذه الغاية وضع بقرب منزله طاولة واشترى آلة لعصر الليمون، وصار صاحب شهرة وله زبائنه.

كان لديه أربعة أولاد شابان وبنتان، ولم يرغب في طلب المال من ولديه اللذين كانا يعملان في وظائف جيدة نوعًا ما، إنما اكتفى بما يُرزق من بيعه للعصير. وكنتُ أمرُّ يوميًّا قرب ما يسمّى «كشكه الصغير» فأسلّم عليه فيرد بابتسامته الطيّبة وكان يدعو لي بالتوفيق.

في يوم من الأيام خرجت من منزلي للذهاب إلى العمل وعند مروري أمام عمل السيّد أبي عماد فوجئت بأنه لم يأتِ ذلك اليوم لعمله! ولم يكن على الطاولة شىء لا آلة عصير ولا كبايات ولا غيرها!

فجأة خرجت أم عماد من منزلها وشاهدت استغرابي فقالت: «أبو عماد بخير… ولكنه ذهب إلى المخفر!!» فسألتها بلهفة: وهل حدث معه شىء؟!

قالت: «ابني البارحة تشاجر مع رجل وضربه فشكاه الأخير إلى المخفر، فجاءت الشرطة وأخذته».

واليوم ذهب أبو عماد ليرى ماذا يستطيع أن يفعل. فقلت لها: خير إن شاء اللّه، توكلي على اللّه.

ذهبت إلى عملي مصدومًا فقد كنت أعرف ذلك الشاب وكان في غاية اللطف والأدب معي ومع الناس الذين حوله!!

بعد يومين علمت أن الشاب سيمكث مدة في السجن. بعد فترة عاد أبو عماد إلى عمله وخرج ولده من السجن وعادت الأمور كما كانت…

في اليوم التالي، خرجت ليلًا لأجلب دواء فوجدت سعيد بن أبي عماد الذي كان في السجن جالسًا على كرسي واضعًا أمامه «أركيلة» طويلة والدخان يتصاعد من فمه بكثافة.

رآني فقام من مكانه وترك ما بيده وسلّم عليّ بحرارة واحترام، هنّأته على خروجه من السجن وأبديت له نصائح في حُسن الخُلُق وحُسن المعاملة ومخافة اللّه فاستمع وشكرني ووعدني أن يلتزم بنصائحي، وقال لي: يا سيّدي لقد كانت ساعة غفلة.

مضت الأيام وصرت أراه يجلس على الرصيف يوميًّا صباحًا ومساءً وعندما ألقي عليه السلام ينظر إليّ بنظرة غريبة ولا يَرُد!! لقد بدا لي واضحًا أن هناك أمرًا غريبًا…

بعد أيام سمعت من الجيران أن الشرطة قد أتت مجددًا وأخذت سعيدًا للمرة الثانية إلى السجن!!

مررت بوالده فوجدته جالسًا على كرسيه والهمّ ظاهر على وجهه وعيناه دامعتان… أصابني خوف شديد فاقتربت ونظرت إلى أبي عماد فسلّمت عليه ولم أشأ سؤاله، فردّ عليّ السلام وتكلم من تلقاء نفسه وقال: من الواضح أنك علمت أن الشرطة أخذت سعيدًا، تابع قائلًا: لكنه هذه المرة لم يتشاجر مع أحد ولم يضرب أحدًا!! وإنما ضرب نفسه!! آخ المخدرات!!!

وجهش بالبكاء حتى كاد يُغمى عليه من الأسى والجرح الكبير…

إنها المخدرات السمُّ القاتل الذي دُسَّ بين الكثير من الشباب والشابات، فانتشر الفساد وعمّ أوطاننا وساحاتنا وأزقتنا. ونشأ عن ذلك مفاسد خطيرة انعكس تأثيرها على المجتمع. فكثرت جرائم القتل والسلب والنهب والاغتصاب وغيرها… وقد يكون الآتي أعظم…█