في زمن الوجبات السريعة والرسائل الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعطي بعضنا إحساسًا آنيًّا بالسعادة والرضى بسبب التعليقات الجيدة والإعجابات، قد يجد بعضنا في تربية الأولاد وخاصة حديثي الولادة منهم تكرارًا مملًا وتأخرًا في الشعور بالرضا الذي اعتدناه في نمط الحياة الفوري المتزايد، فتسمعهم يتأففون ولا يستمتعون باللحظات الصغيرة في حياة أطفالهم والتي هي -في الحقيقة- ما تشكل مجتمعة اللحظات الكبيرة والمهمة في حياة الصغار.
قد يبدو لبعض القرّاء أن في كلماتي الآتية «كليشيه» يتكرر في كل مقال يقرؤونه عن التربية، لكن فيه من الحقيقة ما نلمسه جميعًا أو سنلمسه في وقت من الأوقات خلال رحلة تربية الأطفال. أكتب اليوم هذه الكلمات ويصادف التاريخ يوم ميلاد طفلي الأول والذي حدث منذ سبع سنوات. لو يسألني أحدكم اليوم عن تجربة الولادة أسردها بحذافيرها، لكن أول ما يخطر في بالي عن العام الأول من حياته هو لحظات التقارب والذكريات الجميلة وكيفية تطور الطفل من مرحلة البكاء والصراخ لتلبية احتياجاته إلى التعبير بوسائل أخرى عن هذه الحاجات. لا أفكر في الساعات التي قضيتها مستيقظة في الليالي أو عدد «الحفاضات» التي غيّرتها في اليوم والليلة، ولا حتى عوارض التسنين والمعاناة المرافقة له…
ما أحاول أن أقوله عزيزتي الأم هو أن الأيام تمضي في أعمارنا وأعمار صغارنا بسرعة رغم تلك الليلة الطويلة التي قضيتها دون نوم كاف، ورغم أنك قد لا تشعرين بالفرح في هذه المرحلة بالذات أو أن الشكوك تراودك حول الطعام الذي ستعدينه لطفلك وما هو الأنسب والأفضل والأصح، وعلى حيرتك بالنسبة للتطعيمات وسلامتها ونحو ذلك مما يؤرق الأم ويقض مضجعها.
أحبّي أطفالك وتفرغي للعب معهم والانتباه إليهم ومداراتهم قدر استطاعتك. إن كانت لديك مساعدة في منزلك لا تسمحي بأن تأخذ هي دورك ويتعلّق بها أطفالك أكثر منك. أوكلي المهام الأخرى لغيرك كلما أتيحت لك الفرصة، وكوني حاضرة قلبًا وقالبًا لتستمتعي بلحظات عابرة مع أطفالك قد تبدو لك في حينها سخيفة أو سطحيّة، لكنها ذكريات يبنيها أطفالك كل لحظة عن طفولتهم ويحتفظون بها مدى العمر…
لذا فكري عزيزتي في المواقف المختلفة التي تواجهك: ما هي الذكرى التي سأخلفها في هذا الموقف مع طفلي؟ ما هي الرسالة التي سأوصلها والدرس الذي سيستشفه طفلي من تصرفي؟ ما هو دوري في حياة طفلي من وجهة نظره، وهل أنا الشخص الذي يجد فيه طفلي الوطن والأمان أم هو شخص آخر في حياة الطفل؟
فكري مليًّا في أجوبتك على هذه الأسئلة بصراحة، وأعيدي ترتيب أولوياتك إن لم ترضك الأجوبة. ضعي محمولك جانبًا وانظري في عيني طفلك حين يحادثك. أعيريه اهتمامًا مناسبًا وانقلي إليه شعورًا بأنه مهم وأن الحديث معه سيكون بإنصات وأنك بالفعل متشوقة لسماع ما سيقول. التنظيف والجلي والغسيل أمور مهمة، لكن قضاء الوقت معك أهم من شكل المنزل في عيني طفل يراك عالمه.
مما قرأت في دراسة ولفت انتباهي أن الأطفال لا يعون أنهم وأمهم شخصان مختلفان في الأسابيع الأولى من حياتهم، فهل تدركين مدى أهمية الحفاظ على ثقة الطفل بأنك ستكونين متوفرة لتلبية احتياجاته في بناء الصحة النفسية على المدى الطويل؟ هذا ما تقوله الدراسة.
هذه هي كنوزنا، والتي قد تغادر بيوتنا قبل أن نعي ذلك أو أن نشعر به. فتات الطعام الذي مللت من لملمته من الأرض مرات في اليوم لن تجديه بعد حين، وسيكبر الصغار ولن تضطري لتوضيب أقلام التلوين والألعاب أو الطلب والإلحاح على صغارك بتوضيبها مرارًا وتكرارًا. لا تنتظري لحظة أو مناسبة معينة لتستمتعي بأطفالك، بل افعلي ذلك في كل لحظة تقضونها معًا… فالعمر يمضي ولن يبقى لنا إلا الأثر الجميل والعمل الصالح… فلنزرع خيرًا لنحصد مثله بإذن اللّه.
«التنظيف والمسح قد ينتظرني للغد
لأن الأطفال يكبرون بسرعة
كما نعرف ويحزننا بجد
لذا اهدئي يا بيوت العناكب في الزوايا
ونم أيها الغبار
فأنا مشغولة بهدهدة طفلي
الذي لن يبقى طفلًا وسيدخل عالم الكبار إن شاء اللّه».█