تشكّل مهارة ضبط الصفّ واحدة من أبرز اهتمامات الأبحاث العالميّة في الآونة الأخيرة في مجال العلوم التربويّة وذلك لسببين: الأوّل كونها إحدى الركيزتين في مهنة التعليم. -الركيزة الثانية هي المحتوى التعليمي-، والثاني كونها من أبرز الإشكاليّات التي ترافق يوميات آلاف المعلّمين والطلّاب إذ إنّ مهامّ ضبط الصفّ، والتي تكون أحيانًا غير فعّالة، تأخذ وقتًا هائلًا من الوقت المخصّص للحصّة التعليمية وبالتالي يُعتبر ذلك وقتًا ضائعًا إذ لا تتمّ الاستفادة منه لأجل التعلّم. فما هو تعريف هذه المهارة؟

ضبط الصف في ضبط الأدوار في الفريق… مقاربة تستحقّ النظر

تتلخّص مهارة ضبط الصفّ بالقدرة على تنظيم المجموعة، ووضع قواعدها ومبادئ عملها، وربط الأعمال والنشاطات بعضها ببعض… إلّا أنّ كثيرًا من الباحثين، انطلاقًا من فكرة أنّ الصفّ هو مجموعة، ذهبوا أبعد من تعريف هذه المهارة بحصرها بهذه المهام بل وضعوا مقاربة أخرى مبنيّة على الأدوار التي يلعبها كلّ فردٍ في المجموعة. لقد أعطوا حيّزًا أساسيًّا في عمليّة ضبط الصفّ لتوزيع الأدوار التلقائي في المجموعة والذي ينتج عن القوى التي تنتجها طريقة التعاطي بين الأفراد. وقد لحظوا، من بين كلّ هذه الأدوار، دورًا بارزًا من شأنه «هزّ عرش» سلطة المعلّم، وبالتالي التأثير بشكلٍ كبير على ضبط الصف لدرجة أنّه في بعض الحالات يصير هؤلاء الطلاب هم الذين يديرون دفـّة القيادة بدل المعلّم. من هنا طرح الكثير من الباحثين موضوع ضبط الصفّ كإشكاليّة تدور حول كيفيّة التعاطي مع التلاميذ «القادة» إن صحّ التعبير.

انطلاقًا من هذه المقاربة نطرح الأسئلة الآتية: من هم التلاميذ «القادة» بحسب هؤلاء الباحثين؟ وعن أيّة قيادة نتحدّث؟ وكيف تؤثّر طريقة إدارة المعلّم للمجموعة على سلوك هؤلاء الطلبة ضمن المجموعة؟

صراع على السلطة داخل المجموعة الصفّية

تُصنّف المجموعة الصفيّة على أنّها مجموعة مؤسّساتيّة رسميّة بمعنى أنّنا تختلف عن مجموعة المتطوّعين مثلًا أو مجموعة الأصدقاء… وغيرها من المجموعات غير الرسميّة. لذلك فهذه المجموعة محكومة بقوانين بعضها مؤسّساتي وبعضها الآخر غير رسمي بل منبثق من تطوّر المجموعة. من هنا ميّز الباحثون في مجال التربية بين القائد الرسمي للمجموعة وهو المسمّى من المؤسّسة، أي المعلّم، والقائد غير الرسمي وهو المؤثّر الرئيس في سلوك الكلّ، حتّى في سلوك المعلّم الذي نراه أحيانًا يتصرّف تبعًا لهذا الفرد… فتنقلب إذًا الأدوار ونشهد «صراعًا على السلطة» تحكمه عوامل مختلفة من أهمّها مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين عند المعلّم. لذا اختار بعض المؤلّفين تسمية «التلميذ القائد» فيما اختار البعض الآخر تسمية «القائد العكسي» إظهارًا لخلل ما في الإدارة الصفّية كونه القائد غير الرسمي.

خصائص وصفات «القائد العكسي»

إنّه «الناطق الرسمي» باسم المجموعة فهو الذي يتولّى الدفاع عن سائر أعضائها في مواجهة ملاحظات المعلّم. وقد يقوم بذلك أحيانًا مع شىء من العنف في الأسلوب، وقد يقوم بمخالفة متعمّدة للقواعد المسلكيّة الموضوعة من المعلّم ليتفحّص ردّة فعله، ويقوم بجداله مطوّلًا مع توجيه بعض الملاحظات له والتي تحمل في طيّاتها أحيانًا إرشادات لطريقة التصرّف. لذا قد يكون مستفزًا بالنسبة لبعض المعلّمين، ومقاومًا لهم في وجه بعض القرارات التي قد يتّخذها…

يُرجع الباحثون في مجال التربية أحيانًا هذه المظاهر إلى البحث عن الاهتمام وإثبات الوجود.

تأثير طريقة إدارة المعلّم للمجموعة على سلوك «القائد العكسي»

وفقًا لدراسة أجريت في إحدى القرى اللبنانيّة ظهر أنّ:

إذًا عزيزي المعلّم اعمل على زرع قيم الخير لدى طلّابك، شجّعهم في مقاصدهم للخير، كن هيّنًا ليّنًا بدون إفراط ولا تفريط في استعمال القوّة، حضّر حصصك بإتقان تجد طلّابك في عونك مهما كانت خصائصهم وأدوارهم. لعلّ «القائد العكسي» يتحوّل إلى قائد حقيقي ينفع مجموعته وينتفع منهم.█