عن أبي موسى الأشعري أنه قال: أمرنا رسول الله ﷺ أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي. فبلغ ذلك قريشًا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة ابن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية.
فقدمنا على النجاشي فأتياه بالهدية، فقبلها، وسجدا له ثم قال عمرو بن العاص: إن ناسًا من أرضنا رغبوا عن ديننا، وهم في أرضك. قال لهم النجاشي: في أرضي؟! قالا: نعم. فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم. فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره، وقد قال له عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون لك. فلما انتهينا بدرنا من عنده وقالوا: اسجدوا للملك. فقال جعفر: لا نسجد إلا للّه عزّ وجلّ. فلما انتهينا إلى النجاشي قال: ما منعك أن تسجد؟ قال: لا نسجد إلا للّه. فقال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسولًا، وهو الرسول الذي بشّر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام من بعده، اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر. فأعجب النجاشي قوله. فلما رأى ذلك عمرو بن العاص قال: أصلح الله الملك، إنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم. فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم -أي النبيّ ﷺ- في ابن مريم؟ قال: يقول فيه قول الله: هو روح الله -أي روح عيسى مشرفة عند الله- وكلمته -أي بشارته التي بشرتها الملائكة- أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر. فتناول النجاشي عودًا من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان: ما يزيدون هؤلاء على ما نقول في ابن مريم ولا وزن هذه. مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشّر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبّل نعليه، امكثوا في أرضي ما شئتم. وأمر لنا بطعام وكسوة، وقال: ردّوا على هذين هديتهما.

قال ابن إسحاق: وحدثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال: اجتمعت الحبشةُ فقالوا للنجاشي: إنك قد فارقت ديننا، وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سُفنًا، وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فإذا هُزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمّدًا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى ابن مريم عبدُه ورسولُه وكلمته ألقاها إلى مريم.