يُروى أن مدينة «غرناطة» في الأندلس تمت محاصرتها من قبل الفرنجة سنة 718 للهجرة، وكان فيها شيخٌ تقيٌ عابدٌ زاهد اسمه «عثمان بن أبي العلاء» وكان لقبه «شيخ الغزاة» رحمه اللّه تعالى.
كان الفرنجة قد عزموا في ذلك العام على إخراج أهل «غرناطة» منها بحيث لا يبقى شىءٌ للمسلمين في الأندلس إذ كانت آخر المعاقل المتبقية.
تجهز الفرنج لغزو «غرناطة» وكان فيها أبو الوليد «إسماعيل بن الأحمر» وجاء الفرنجة بجيش لا يحصى وعلى رأسهم «دون بِطْرُة» ومعه خمسة وعشرون ملكًا من ملوك الفرنج. فأصاب المسلمين القلقُ واستنجدوا بالسلطان «عثمان بن يعقوب المريني» صاحب «فاس ومراكش» فاعتذر إليهم. فرجعوا إلى أعظم الأدوية وهو الالتجاء إلى اللّه تعالى وأخلصوا النيَّات للّه.
فاجتهد ابن الأحمر في تحصين البلاد والثغور، فلما بلغ الفرنجة ذلك التحصين عزموا على منازلة «غرناطة».
فأعدّ الفرنجة غاية الأهبة ووصلت الأثقال والمجانيق وآلات الحصار والأقوات والمراكب.
فعمل «ابن الأحمر» لردّهم ودعا الناس للحرب والدفاع عن «غرناطة» وأعدَّ آلات الحرب والرجال والرماة. في هذا الوقت وصل العدو إلى أطراف «غرناطة» وامتلأت الأرض بهم، فتقدم ابن الأحمر إلى «شيخ الغزاة» أبي سعيد عثمان ابن أبي العلاء، وسأله الخروج للجهاد ونجدة المسلمين بمن معه من الغزاة والشجعان.
بداية المعركة
لما كانت ليلة الأحد أغارت سرية من العدو على سرية من المسلمين، فخرج إليهم جماعة من فرسان الأندلس الرماة وفصلوهم من جيشهم، وفرّت سرية العدو فتبعهم المسلمون إلى الصبح فقتلوهم. فكان هذا أول النصر!
وفي نفس اليوم ركب «شيخ الغزاة» لقتال العدو في خمسة آلاف من أبطال المسلمين المشهورين، فلما شاهدهم الفرنج عجبوا من إقدامهم مع قلّتهم أمام تلك الجيوش العظيمة، فركب الفرنجة بجملتهم وحملوا عليهم فقاتلهم المسلمون أشد قتال، وهزم اللّه تعالى الفرنج أقبح هزيمة وأخذتهم السيوف، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ثلاثة أيام!! وقتل اللّه «دون بطرة» ملك الفرنجة وقائد الجيوش، وقتلوا الملوك الخمسة والعشرين الذين كانوا معه جميعهم!!!
وخرج أهل «غرناطة» لجمع الأموال وأخذ الأسرى فاستولوا على أموال عظيمة، منها من الذهب ثلاثة وأربعون قنطارًا، ومن الفضة مائة وأربعون قنطارًا، ومن السبي سبعة آلاف.
وكان عدد قتلى جيش الفرنجة في هذه الغزوة يزيد على خمسين ألفًا، ويقال إنه هلك منهم بالوادي مثل هذا العدد لعدم معرفتهم بالطرق، وأما الذين هلكوا بالجبال والشعاب فلا يحصون!!!. وذلك كله ببركة التوكل على اللّه، واللّه يؤتي الفضل لمن يشاء.
ما بعد المعركة
وردت البشائر بهذا النصر إلى سائر البلاد، ومن العجب أنّه لم يقتل من المسلمين والأجناد سوى ثلاثة عشر فارسًا وقيل عشرة أنفس!!
وكان عسكر المسلمين خمسة آلاف وخمسمائة منهم ألف وخمسمائة فارس وأربعة آلاف راجل، وكانت الغنيمة عظيمة جدًّا… وطلب الفرنجة الهدنة فعقدت لهم.
وفاة “شيخ الغزاة”
توفي «شيخ الغزاة» عثمان بن أبي العلاء سنة ثلاثين وسبعمائة وعمره ثمان وثمانون سنة رحمه اللّه تعالى ورضي عنه، وكتبوا على قبره ترجمة طويلة تدلُّ على علو شأنه في العلم والعمل والإخلاص في الجهاد. رحمه اللّه رحمة واسعة.
معركة «جبل الفتح»
كان الفرنجة قد استولوا على «جبل الفتح» وهو المعروف بجبل طارق سنة تسع وسبعمائة، وكان هذا الجبل للمسلمين من أحسن الثغور، وهو فاصل بين إفريقية والأندلس، وكان ابن الأحمر قدم على السلطان أبي الحسن بن عثمان صاحب «فاس ومراكش» وقد استلم الحكم -بعد وفاة والده السلطان عثمان-.
فأكرم السلطان مقدمه وبالغ في إكرامه، فتذاكر معه في شأن استخلاص الجبل المذكور، فاتفقا على التجهيز لاستخلاصه، فأمر السلطان بالتجهيز لاستعادة الجبل وعقد لابنه الأمير أبي مالك على جيش من بني «مرين» وأرسله مع ابن الأحمر لمنازلة الجبل، واجتمع معسكرهم جميعًا بساحة جبل الفتح، وأبلوا في حربه ومنازلته بلاءً حسنًا إلى أن تغلبوا عليه وملكوه في سنة 733 للهجرة، وافتتحه المسلمون عنوة، وغنموا ما كان معهم، ووافاهم طاغية الفرنجة ومعه أممٌ كثيرة مددًا لقومه بعد مضي ثلاثة أيام من الفتح.
وكان المسلمون قد شحنوا الجبل بالأقوات ونقلوها على خيولهم. ولما وصل الطاغية نزل بجيوشه، وبرز أبو مالك بعسكره فنزل قربه، ونزل أيضًا عسكر الأندلس بقرب الطاغية، وتحصن العدو في مكانهم، ولما رأى الطاغية أنّه لا سبيل له على استعادة الجبل ورأى تلك القوات وعدتها رحل مع جيشه!
وأخذ الأمير أبو مالك في تحصين أطراف الثغر وسدّ فروجه وأنزل الحامية به ونقل الأقوات.
وكان هذا الفتح فتحًا عظيمًا لما لموقعه من أهمية. وكانت مدة منازلته إلى أن ملكه المسلمون ستة أشهر. وما النصر إلا من عند اللّه.