إنّ ما يجمع بين جزأي المقال هو الحرارة العالية… فهل أنتم جاهزون وتنتظرون على حرارة عالية للتعرّف على مهنة وظاهرة اليوم؟؟ 

أيدٍ ماهرة… الحدّاد

المهنة التي سنتكلّم عنها اليوم يكاد يستفيد منها كلّ فردٍ في المجتمع. فمن منّا ليس عنده بوّابة حديد أو إناء يدخله الحديد… أو أيّة أدوات يدخل الحديد في صناعتها؟ نعم إنّها مهنة الحدّاد، وهو الحرفي الذي يعمل في تطويع الحديد وتصنيعه على شكل أدوات للاستعمال المفيد باستعمال أدوات الطرق واللّيّ والقطع. ومن الأشياء التي يصنعها الحدّاد: البوابات، قضبان الدرابزين، تجهيزات الإضاءة، المعدات والأدوات الزراعية…

يبدأ عمل الحدّاد بعد تنقية الحديد الخام الذي يستخرج من باطن الأرض، إذ يقوم بتسخين قطع الحديد الصلب حتى يصبح المعدن ليّنًا بما يكفي لتشكيله باستخدام الأدوات اليدوية مثل المطرقة والإزميل. ويجري التسخين عن طريق استخدام الغاز الطبيعي أو الفحم النباتي أو النفط… وقد يستخدم أيضًا بعض الحدادين في العصر الحديث الأكسجين والأستيلين أو ما شابه مثل موقد اللحام لتوفير المزيد من السخونة الموضعية.

يعد اللون عاملًا مهمًا للدلالة على درجة الحرارة وقابلية تشكيل المعدن: فبينما يتم تسخين الحديد لرفع درجات الحرارة، فإنه يتوهج باللون الأحمر ثم يتحول إلى البرتقالي فالأصفر وأخيرًا الأبيض. ويتم الوصول للسخونة المثالية لمعظم عمليات التشكيل من خلال الوصول إلى مرحلة اللون الأصفر البرتقالي المتوهج والتي تعرف بـ «سخونة التشكيل». ونظرًا للحاجة لرؤية لون توهج المعدن، يلجأ بعض الحدادين للعمل في ظروف معتمة أو خافتة الضوء. بينما يعمل الغالبية منهم في بيئات ذات إضاءة جيدة ولكن معتمدة على ضوء ثابت غير ساطع بدرجة كبيرة، ولكن غير ضوء الشمس لأن الألوان لا تظهر بوضوح تحته…

عند وصول المعدن إلى حرارة التشكيل يقوم الحدّاد بالعمليّات المناسبة وصولًا إلى الشكل النهائي للقطعة. ومن هذه العمليّات:

السحب: وهي عمليّة تطويل المعدن من خلال تقليل أحد البعدين الآخرين -العرض والعمق- أو كليهما، فعندما يقل العمق، يضيق العرض تبعًا لذلك، أو تطول القطعة و«تتمدد».

التجعيد: وهي عمليّة إحداث أمواج في القطعة بحسب الزخرفة أو الشكل المُراد الوصول إليه.

اللّيّ: وهي عمليّة لفّ الحديد على حرارة مناسبة لذلك تجنّبًا لإحداث شقوق في القطعة أثناء لفّها.

الثقب: لأجل تثبيت مقبض مثلًا على القطعة أو ما شابه ذلك.

التجميع: لأجل الوصول إلى الشكل المراد.

التلحيم: وهي تثبيت القطع بعد تجميعها.

نرى إذًا أنّ عمل الحدّاد شاقّ جدًّا إذ يتطلّب ظروف عمل قد تؤثّر على صحّته وقد تتطلّب نظرة فنّية عالية لتشكيل القطعة. فهل فكّرتم في الجهد الذي يقوم به أثناء شرائكم بوّابتكم الفاخرة مثلًا؟

ظواهر مدهشة…
المنفس الحَرمائي أو الفوهة الحرمائية

المنفس الحَرمائي أو الفوهة الحرمائية، والمعروفة باللغة الانكيزية بـ «Hydrothermal vent»، هي فتحة تشبه المدخنة في قاع المحيط تنفث المياه المعدنية الحارة. وقد لاحظ العلماء المنافس الحرمائيّة لأول مرة عام 1977 في صدع جلاباجوس، وهي ناحية تقع في قاع المحيط الهادئ وتبعد نحو 1000كلم غربي الإكوادور.

تتسرّب مياه البحر إلى منافس حارّة موجودة في القعر فتصبح ساخنة وتتفاعل كيميائيًّا مع الصخور وتُنتِج سائلًا حمضيًّا غنيًّا بالمعادن المذابة وغاز كبريتيد الهيدروجين. بعدها يرتفع هذا السائل من جديد إلى الفوهة عند درجة حرارة تصل إلى 400° مئويّة، وعندما يختلط السائل الحار بماء البحر البارد تتشكّل جسيمات الكبريتيد المعدنية. وتجعل هذه الجسيمات الماء أسود، ولذلك يطلق على المنافس الحارة في بعض الأحيان المُدخّنات السوداء.

يخرج من المدخنات ماء وغازات غنية بالسلفيد وأملاح أخرى ذائبة للحديد والمنجنيز والنحاس والزنك، وتبلغ أعلى درجة حرارة تم قياسها للمتنفسات السوداء 464 درجة مئويّة لفوهتين في قاع المحيط الأطلسي موجودتين على عمق نحو 3000 متر.

ويصل متوسط ارتفاع فوهة المتنفسات السوداء من 20 إلى 25 مترًا ويمكن أن تصل إلى نحو 60 مترًا.

يسكن في تلك البيئات الحيوية أنواع من القريدس العنكبوتي الذي ليس له أعين، ويرقات وأنواع من الصدفيات ونجمة البحر. لا تملك هذه اليرقات جهازًا للهضم إذ تحصل على غذائها من بكتيريا تعيش في أعضاء اليرقات الغنية بالدم، وتحصل منها اليرقات على ما تنتجه تلك البكتيريا من مواد عضوية مباشرة.

تكون أمثال تلك الحقول للمياه الساخنة الحرارية نشطة لمدة نحو 20 عامًا، ثم تسد فوهاتها المواد المعدنية والمدخنات الخارجة منها، وبذلك تموت أيضًا الأحياء التي عاشت عليها.

اهتم الناس بالفوهات المائية الحرارية السوداء ليس فقط لأسباب بيئية ولكن أيضًا للاستفادة منها كمصدر لخامات المعادن مثل الذهب وبعض المعادن اللونية.