نحن نعيش في عصر العجائب والغرائب، ليس فقط لناحية تقنيّات غير معروفة من قبل، ولكن أيضًا لناحية سرعة تطوّرها. فمن سنوات ليست ببعيدة كان عصر التلفاز، ثمّ عصر الحاسوب، يليه عصر الإنترنت الذي تسبّب بظهور مصطلحات جديدة مثل «العولمة» و«القرية الكونيّة»…

ولكنّنا نعيش حاليًا في زمن عصر الشاشة الرقميّة والتفاعلية بدءًا من الهواتف إلى «التابلت» وحتّى الألواح التي بدأت تغزو الشركات والمدارس. فهذه الأجهزة أصبحت كالدمية في أيدي الصغار والأطفال قبل الكبار فصارت هي سلوتهم، وصاروا يتقنون استعمالها، وحلّت محلّ الألعاب التي كانت تلهو بها الأجيال السابقة. بل صار بإمكان الجيل الحالي تنزيل ما شاء من تلك الألعاب وغيرها إلكترونيًّا على الأجهزة. فنادرًا ما تخلو منها بيوت القادرين على دفع ثمنها، وحتّى من لم يكن قادرًا تجده إمّا يشتريها بالتقسيط أو يستدين لشرائها نقدًا.

لقد أصبح  الطفل في كثير من البيوت أسيرَ هذه الشاشة، يجلس أمامها ساعات وساعات، يبقى نظره مشدودًا إليها، وأصابعه تساهم في الحروب الوهمية والمغامرات النظرية التي تشد عقله وبصره وتفكيره، وتسلب قلبه وتجعله أسيرًا للخوف والرعب والصور المتعاقبة لِما فيها من حِرفيّة وإبهار وجذب عبر الألوان والأحداث والشخصيّات.. كل هذا الانسجام بين الطفل والشاشة يُشْعِرنا بالقلق مما تسببه هذه الأفلام، وما تتركه من آثار في سلوك الطفل وتفكيره ومستقبله الدراسي. وهذه مشكلات استشعرها الباحثون في علوم السلوك والاجتماع والتربية فأجروا الأبحاث لاستقصاء وتحديد حقيقة المشكلة على أرض الواقع، ومدى تأثّر الأطفال بهذه الألعاب والتقنيّات، والخروج بتوصيات توجيهيّة على أمل الحدّ من الأخطار المحدقة بهذا الجيل.

تزيد الإحصاءات مؤخرًا مخاوف كثير من الباحثين والمهتمين بصحة الطفل النفسية إذ تظهر أنّ:

في خضمّ كلّ هذه النتائج غير المرغوبة خرجت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بتوصية في العام 2013 بمنع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين من استخدام أو التعرُّض لأي وسائل إعلام إلكترونية على الإطلاق، وأوصت بالحد من وقت الجلوس أمام الشاشة للأطفال الأكبر سنًّا لتكون ساعة أو ساعتين في اليوم على الأكثر.

ولكن تعلّق دكتورة في علم السلوك على هذا الواقع قائلةً: إنّ مما يفاقم العلاجات أنّ بعض الأهل فقدوا القدرة على التعامل مع الملل لأنّهم ابتعدوا عن فن التواصل وجهًا لوجه وهذا الذي ضرّ كثيرًا من الأسر وقطع الكثير من العلاقات اليوم. لذلك هم رغم إدراكهم للمشكلة، يستمرّون في ملء أوقات أطفالهم بهذه الألعاب لأنّهم لا يجدون أشياء أخرى بسرعة تأثيرها.  فيُعلّق بعض الباحثين بأنّه بدلًا من تقييد أطفالنا بعدد ساعات، ينبغي أن نفكر في ما نُغذي به عقولهم، ونطرح أمامهم خيارات مدروسة خلاف الأجهزة الرقمية. ويرون أنّ هؤلاء الآباء يشكّلون قدوة سيئة لأولادهم لأنّهم هم أيضًا يجلسون لأوقات طويلة أمام الشاشات ولا يولونهم اهتمامًا كافيًا. إنّهم يرون أنّ أهلهم ينشغلون بأجهزتهم أثناء الحديث معهم مما يجعلهم يشعرون بأنهم غير مهمين فيغرقون بدورهم في هذا العالم. لذا ترى دكتورة في علم السلوك أنّ الكثير من الآباء متواطئون في ما يصل إليه أبناؤهم من إدمان على تلك الأجهزة والألعاب، بسبب مناولتهم تلك الأجهزة في صغرهم من أجل الحفاظ على هدوئهم وإبقائهم تحت السيطرة.

يكمن إذًا الحل في أيدي الوالدين في تجنيب أولادهم الوصول لتلك المرحلة من المشكلات الناتجة عن الأجهزة والألعاب الإلكترونيّة… فليملؤوا أوقات أولادهم بعلم الدين وحفظ المتون الشرعية والقرءان الكريم وزيارة الأرحام وتعلّم العلوم النافعة والقيام بالنشاطات الرياضيّة… بدل التسبّب بالسوء ومن ثمّ البكاء من العجز عن معالجته.