الحمدُ للّهِ ربّ العالمينَ والصلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ النَّبيّينَ سيّدِنا وحبيبِنا محمّدٍ الطاهرِ الأمينِ وعلى آلهِ الأبرارِ وأصحابِه الأطهارِ ومَن بهم اقتدى وعلى نهجِهم سار.
تُشْرِقُ علينا ذكرى ولادةِ سيّدِ الأوَّلينَ والآخرينَ وحبيبِ ربّ العالمينَ، آخرِ النّبيّينَ وسيّدِ المرسَلين، فأكرِمْ بها مِنْ ذكرى تُعطّرُ حياتَنا وتُنِيرُ قلوبَنا وتُثيرُ في نفوسِنا الشوقَ إلى سيّدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقائدِنا محمّدٍ صلواتُ اللّهِ وسلامُه عليه.
قالَ اللّهُ سبحانَه وتعالى في كتابِه العزيز: ﴿لَقَد مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلمُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولا مِّن أَنفُسِهِم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبلُ لَفِي ضَلَٰل مُّبِينٍ ١٦٤﴾ سورة ءال عمران.
وقالَ تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّا أَرسَلنَٰكَ شَٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِيرا ٤٦﴾ سورة الأحزاب
إنها مِنَّةٌ عظيمةٌ مِنَ اللّهِ سبحانَه وتعالى أنه وُلِدَ في شهرِ ربيعِ الأول وفي مكةَ المكرَّمةِ أمِّ القرى نبيٌّ كريمٌ عظيمٌ من أبَوَيْنِ كريمَيْنِ يتصلُ نسبُهما بنبيّ اللّهِ سيّدِنا إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ صلّى اللّهُ وسلّمَ عليهما، إنه الحبيبُ المحبوبُ الصادقُ المصدوقُ الأمينُ، سيّدُنا محمدُ بنُ عبدِ اللّه الهاشميُّ القرشيُّ صلواتُ ربّي وسلامُه عليه وعلى إخوانِه النّبيّينَ والمرسَلين. لقد أظهرَ اللّهُ تعالى من دلائلِ عَظَمَةِ الحبيبِ محمّدٍ ما يُؤكّدُ عظيمَ فَضْلِه وكرامتِه ورِفعةَ قدرِه الشريفِ منذُ كانَ في بطنِ أمّه، حيث كانتْ ترى الطيورَ عاكفةً عليها إجلالًا للذي في بطنِها، وكانتْ إذا جاءتْ تستقي من بئرٍ صعدَ الماءُ إليها إكرامًا للحبيبِ، وحينَ وَضَعَتْهُ رأتْ نورًا أضاءتْ منه قصورُ بُصرى الشامِ، وصاحَ إبليسُ ورنَّ رنّةً عظيمةً، حين بُعثَ النبيُّ كما رنَّ حينَ لُعِنَ وحين نزلتِ الفاتحةُ.
ولقد حَفِظَ اللّهُ حبيبَنا المصطفى من رجسِ الجاهليةِ فألهمَهُ التوحيدَ والمعرفةَ قبلَ نزولِ الوحيِ عليه، وهذا حالُ جميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ من لَدُنِ آدمَ ومَن بعدَه، كانوا جميعًا عليهمُ الصلاةُ والسلامُ على عقيدةِ التنزيهِ والتوحيدِ، عقيدةِ أنه لا إلهَ إلا اللّه، كانوا على دينٍ واحدٍ هو الإسلامُ ودعَوا الناسَ إلى الإيمانِ باللّهِ وتركِ الإشراكِ به.
لقد نشأَ نبيُّنا محمّدٌ مؤمنًا بربّه، مؤمنًا أنه إلهٌ واحدٌ لا شريكَ له، ولا شبيهَ له، ولا مثيلَ له، موجودٌ بلا مكان، ليسَ له قَبلٌ ولا بَعدٌ ولا كُلٌّ ولا بعضٌ ولا يمينٌ ولا شمالٌ، مهما تصوَّرتَ ببالكَ فاللّهُ بخلافِ ذلك وأنه سُبحانَه وتعالى لا يُوصَفُ بصفاتِ المخلوقين، منزَّهٌ عن الحدِّ والصورةِ والكميةِ والشكلِ والحركةِ والسكونِ،
لا يكونُ شىءٌ إلا بمشيئةِ اللّه، لا يُسألُ عمّا يَفعلُ وهم يُسألون.
على هذا كانَ سيّدُنا محمدٌ محالِفًا للحقِ، مخالفًا للباطلِ، نابذًا الجاهليةَ وما عليه أهلُها، وراحَ يتعبَّدُ في غارِ حراءَ الأيامَ واللياليَ، ونزلَ عليه الوحيُ في جبلِ النورِ، وأتاه جبريلُ عليه السلامُ بقولِه تعالى: ﴿ٱقرَأ بِٱسمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلإِنسَٰنَ مِن عَلَقٍ ٢ ٱقرَأ وَرَبُّكَ ٱلأَكرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلإِنسَٰنَ مَا لَم يَعلَم ٥﴾ سورة العلق، ثم تتابعَ الوحيُ وتوالتِ الآياتُ تترى، وقامَ ﷺ بأمرِ الدعوةِ حقَّ القيامِ فجزاهُ اللّهُ خيرَ ما جزى نبيًّا عن أمتِه.
ولقد أقرَّ اللّهُ عزَّ وجلَّ عينَ حبيبِه محمّد بثمرةِ جهادِه العظيمِ وسعيِه المباركِ فرأى كلمةَ التوحيدِ تنتشرُ، والحقَّ يعلو، والناسَ يدخلونَ في دينِ اللّهِ أفواجًا، والأصنامَ تنكسرُ، والباطلَ يَزهَقُ، والقرآنَ يُتلى، والحناجرَ تصدحُ خاشعةً
﴿وَقُل جَاءَ ٱلحَقُّ وَزَهَقَ ٱلبَٰطِلُ إِنَّ ٱلبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقا ٨١﴾ سورة الإسراء.
هذا هو رسولُ اللّهِ، هذا هو الحبيبُ القائدُ إذا اشتدَّ الظلامُ، له نحن ننتمي، وحبُّه يجمعُنا، وحياتُنا حبُّه، ونورُ الدنيا هَدْيُه، وكلُّ ما فيه عظيمٌ، ومعًا في حبِّه صلواتُ اللّهِ وسلامُه عليه.
ما أعظمكَ يا رسولَ اللّه، ما أعظمكَ يومَ فتحِ مكةَ حيثُ أظهركَ اللّهُ ومكّنكَ من بعضِ رجالِ قريشٍ، فقلتَ: “اذهبوا فأنتمُ الطُّلَقاء“. ما أعظمكَ قائدًا وصابرًا وحليمًا وحكيمًا، فلقد قُوتِلْتَ وحُورِبْتَ وأُوْذيتَ وظَلَلْتَ تدعو إلى الهدى والرشادِ وتقولُ للناسِ: “قولوا لا إلهَ إلا اللّه تُفلحوا“.
وفي ذكرى ولادَتِكَ ما زالتِ الأمّةُ تحتفلُ شاكرةً اللّهَ على هذه النعمةِ، يعرفونَ أنّ يومَ إشراقِ نورِكَ وطلوعِ نجمِك لم يكن مثلَ كلّ يوم.
ونحن في أمسِّ الحاجةِ اليومَ إلى استذكارِ صفاتِكَ الطاهرةِ ومواقفِكَ الشريفةِ، وأن نُعرِّف الأجيالَ فضلَك، وأن نُخبِرَهم أيَّ عظيمٍ هو سيّدُنا وقائدُنا محمدُ ابنُ عبدِ اللّه.
ألم يقلِ اللّهُ عزَّ وجلَّ فيه: ﴿وإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم ٤﴾ سورة القلم، ألم يقسمِ اللّهُ بحياةِ نبيّنا فقالَ:
﴿لَعَمرُكَ إِنَّهُم لَفِي سَكرَتِهِم يَعمَهُونَ ٧٢﴾ سورة الحجر،
ألم يرسلْه اللّهُ شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا فقالَ:
﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّا أَرسَلنَٰكَ شَٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِيرا ٤٦﴾ سورة الأحزاب.
يا رسولَ اللّهِ تحضرُنا ذكرى ولادتِك ونتذكرُ مأساةَ الملايينِ من أمَّتِكَ، ونتذكرُ المحنَ الدائرةَ في بلادِنا، والفِتَنَ التي تعصِفُ بنا وبأمّتِنا من كلِّ حَدَبٍ وصوبٍ.
ها نحنُ في هذا الزمانِ قد صُبَّت علينا مصائبُ جمّةٌ، وبِتْنا نعاني جرائمَ التطرفِ والإرهابِ المذمومِ البغيضِ من أناسٍ ينتسبونَ زورًا وكذبًا إلى نهجكَ، ونعلمُ أنّك يا سيّدي بريءٌ من كلّ شين، وشرعُك أسمى وأجلّ.
وإننا إذ نحتفلُ في هذه المناسبةِ بذكرى مولدِكَ الميمونِ نتوسلُ بكَ إلى اللّهِ أن يُفرِّجَ عنّا وعن الأمةِ الإسلاميةِ ما أهمَّها وأغمَّها وأصابَها من بلاءٍ عظيم.
ما أحوجَنا إلى وحدةِ الصفِ والكلمةِ على الحقِ خاصةً في هذه الظروفِ العصيبةِ التي يمرُّ بها وطنُنا وأمَّتُنا.
ولنقفْ عندَ قولِ اللّهِ تعالى:
﴿وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْ﴾ سورة ءال عمران/103، فاللّهُ يأمرُنا بالاعتصامِ، وأن لا تتفرّقَ بنا السُّبُلُ، ففي التفرقةِ ضعفٌ، وفي الاعتصامِ والوحدةِ قوةٌ ومنعةٌ لنا.
ما أحوجَنا في هذه الأيامِ المشحونةِ بالأزماتِ والمحنِ إلى أن نستمعَ إلى الكلمةِ الطيبةِ التي تخرجُ من القلوبِ الصادقةِ، وما أحوجَنا في هذا الزمنِ المليءِ بالفتنِ إلى النصيحةِ السديدةِ التي تُقَوِّمُ الاعوجاجَ وتُصْلِحُ الأحوالَ.
ولنستمعْ إلى ما رُوِيَ عن ابنِ الكلبيِّ عن أبيه أنه قالَ: لما حضرتْ وفاةُ عبدِ اللّه بنِ شدّاد دعا ابنًا له يُقالُ له محمّد، فقال: يا بُنيَّ، إنّي أرى داعيَ الموتِ لا يُقلعُ، وأرى مَنْ مضى لا يرجعُ، ومَنْ بقيَ فإليه يُنزَعُ، وإنّي موصيكَ بوصيّةٍ فاحفظْها، عليكَ بتقوى اللّهِ العظيم، وليكنْ أَوْلى الأمورِ بك شُكرَ اللّه، وحُسنَ النيّةِ في السِرّ والعلانيةِ، فإنّ الشّكورَ يزدادُ، والتقوى خيرُ زاد.
لنجعلْ يومَ المولدِ موعدَ خيرٍ جامعٍ نستفيدُ منه معنى الثباتِ على الحقِ من ثبوتِ نبيّنا عليه، ولنغتنمْ ما بقيَ من أعمارنا في خدمةِ الدينِ وأهلِه كما فعلَ رسولُ اللّه ﷺ، ولنكنْ رحماءَ فيما بيننا أشدّاءَ على مَن غَصَبَ حقوقَنا وأهانَ مقدَّساتِنا وقتّلَ أبناءَنا وكادَ لنا وتآمرَ علينا كما كان النّبيُّ ومَن معه.
لنكنْ مُبشّرينَ مُيسّرينَ، لا مُعسّرينَ ولا مُنفّرينَ، لنكنْ جميعُنا معتدلينَ متوسّطينَ لا غلوَّ عندنا ولا تقصيرَ.
اللّهمَّ ارحمْنا برحمتكِ الواسعةِ وارزقْنا رؤيةَ حبيبِنا وقائدِنا وعظيمِنا وسيّدِنا محمّد في المنام، وارزقْنا شربةً من يدِه الشريفةِ، وارزقْنا شفاعتَه يومَ القيامةِ ومجاورتَه في جنّاتِ النعيم.
أعادَ اللّهُ ذكرى المولدِ النّبويِّ الشّريفِ عليكم وعلى وطنِنا وبلادِنا وأمَّتِنا بالخيرِ والأمنِ والأمانِ.
والسلامُ عليكم ورحمةُ اللّهِ وبركاتُه.