الحمد للّه ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقرّبين على سيّدنا محمّد وعلى جميع إخوانه من النبيّين والمرسلين.
وبعد فقد رُوِيَ في جامع الترمذي رحمه الله من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله ﷺ قال مخاطبًا لابن عبّاس: «إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ وإذا استعنتَ فاستعنْ باللّه».
معنى الحديث أنّ الأَوْلى بأنْ تسأله هو الله وهذا أمر لا شكّ فيه لأنّ الله تبارك وتعالى هو خالق الخير والشّر وخالق المنفعة والمضرّة، فإذا كان كذلك فلا يخفى أنّ الأَوْلى بأنْ يُسأل هو الله وأنّ الأَوْلى بأنْ يُستعان هو الله، ليس المعنى حرمة سؤال غير الله، كما هو الأمر في ما رُوي في صحيح ابن حبّان وفيه أنه ﷺ قال: «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكلْ طعامك إلا تقيّ» هذا الحديث أيضًا يدلّ على أنّ الأَوْلى بالمصاحبة هو المؤمن وكذلك الأَوْلى بأن تُطعم طعامك المسلم وليس مراد النّبيّ ﷺ أنّه لا يجوز أن تصاحب غير المؤمن، إنما مراده بيان أنّ الأَوْلى بالمصاحبة هو المؤمن.
وكذلك الجزء الثاني من هذا الحديث، «ولا يأكلْ طعامك إلا تقيّ» مراد رسول الله ﷺ به أنّ الأَوْلى بأن يطعم طعامك هو المسلم التقيّ، ومن هو التقي؟ التقي هو من قام بحقوق الله وحقوق العباد، أي أدّى الواجبات واجتنب المحرّمات، فالرسول ﷺ يقول في هذا الحديث «ولا يأكلْ طعامك إلا تقيّ» معناه أنّ الأَوْلى بأنْ تطعمه طعامك هو المسلم التقيّ، أي أنّ إطعام طعامك المسلم التّقيّ خير وأوْلى وأفضل من أن تطعم مسلمًا غير تقي أو كافرًا.
وليس معنى الحديث أنّه لا يجوز أن تطعم
المسلم الّذي هو من أهل الكبائر من العصاة، ولا يعني رسول الله أنّه لا يجوز إطعام الكافر بل هذا جائز، إذا أطعمَ المسلمُ المسلمَ العاصي الذي هو من أهل الكبائر هذا جائز وفيه ثواب إن كان بنيّة حسنة كذلك إذا أطعمَ الكافرَ من الكفّار فذلك جائز وفيه ثواب، هل في معنى هذا الحديث خفاء لمن عرفه على هذا الوجه؟ ما فيه خفاء.
المحرّفون لشريعة الله يوردون حديث
عبد الله بن عباس هذا «إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله» لتحريم التوسّل بالأنبياء والأولياء، أين في هذا الحديث تحريم التوسّل بالأنبياء والأولياء؟ هل قال الرسول لا تسألْ غير الله ولا تستعن بغير الله؟ ما قال. أليس بين أنْ يقال: «لا تسأل غير الله» وبين أنْ يقال: «إذا سألت فاسْأل الله» فرق؟ أليس بين هذا وبين هذا فرق؟ لكنّ هؤلاء دأبهم تحريف شريعة الله والتّمويه على النّاس وزخرفة الباطل وإيهام النّاس الأمر الجائز حرامًا أو شركًا وكفرًا. هذا الحديث صحيح الإسناد إنما هم يحرّفون، معناه ليس فيه دلالة على ما يدّعون، ليس فيه أدنى دلالة على تحريم التوسّل بالأنبياء والأولياء ليس فيه بالمرّة. وكلّ مؤمن يعلم ويعتقد أنّ سؤال المؤمنِ ربَّه أفضل من أن يسأل غيره، كلّ مؤمن يعلم ذلك، لكنّ هؤلاء لا يوردون الحديث على هذا المعنى الذي هو مراد رسول الله ﷺ إنما يوردونه لتحريم ما أحلّ الله، التوسّل بالأنبياء والأولياء شىء أذن به الشّرع، الله تبارك وتعالى أذن لنا أن نتوسّل بالأنبياء والأولياء الأحياء والأموات، ما حرّم علينا، وهؤلاء ليس عندهم دليل إلا التمويه. هذا الحديث يوردونه ليوهموا النّاس أنّ سؤال غير الله بمعنى التّوسّل بالأنبياء والأولياء حرام ويوردونه ويريدون أنّ الاستعانة بالأولياء والأنبياء حرام بل هم يعتبرون ذلك كفرًا، بل إذا ناديت نبيًّا أو وليًّا نداءً من غير أن يكون حيًّا حاضرًا أمامك يعتبرونه شركًا وكفرًا وليس عندهم على ذلك دليل إلا التّمويه، أي إلا أنهم يوهمون الناس بما يوردونه من الشّبهات أي من الأمور التي توهم سامعها إنْ لم يكن من أهل المعرفة والفهم أنّ الأمر كما يقولون.
والله تعالى أعلم وأحكم.