الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) ﴾ سورة المائدة، هذه الآية الكريمة بيّنت طريقة الوضوء الصحيحة التي أمر الله بها في القرءان لصحّة الصلاة فيجب اتّباعها، ويُزاد على هذه الأركان النيّة عند غسل الوجه لقوله ﷺ: «إنمّا الأعمال بالنيّات» رواه البخاري، والترتيب في الأركان بحيث لا يُقدّم عضوًا على غيره بل يفعلها على الترتيب المذكور في الآية لقوله ﷺ: «ابدؤوا بما بَدأ الله به» رواه مسلم، فتلك ستة أركان لا بد منها لصحّة الوضوء، ويُسَنُّ غسلُ الكفّين ثلاث مرات مع قول: «بسم الله» واستعمال السّواك في الأسنان، ومضمضة الفم وتكون بإدخال الماء بواسطة اليد اليمنى إلى الفم ثمّ إخراجه ثلاث مرات. وإدخال الماء إلى الأنف بواسطة اليد اليمنى واستنشاقه ثم إخراجه ثلاث مرات. ومن أركان الوضوء مع بعض سننه غسل الوجه مع النيّة من بداية منبت الشعر غالبًا إلى أسفل الذقن وبالعرض من الأذن إلى الأذن ثلاث مرات، وتكون النيّة بالقلب مع غسل الوجه، وغسل اليدين مع المرفقين ثلاث مرات، والمرفق في اليد هو المفصل الجامع لعظمي العَضُد والذراع، والبَدء باليد اليمنى ثم اليسرى، والمسح على الرأس مرة واحدة لجميع الرأس، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، وغسل الرجلين مع الكعبين ثلاث مرات، والكعبان هما العظمان الناتئان على جوانب القدم، وغسل الرجل اليمنى ثم اليسرى، وتخليلُ أصابع اليدين أي إمرار الماء بين الأصابع بالتشبيك، وفي الرجلين يدخل خنصر يده اليسرى بين أصابع القدمين يبتدئ بخنصر رجله اليمنى من أسفل حتى يصل إلى إبهامها، ثم يبدأ بإبهام الرجل اليسرى خاتمًا بخنصرها، كما يُسن التقليل من الماء ولو كان على ماء كثير اتباعًا لسُنّة النّبيّ ﷺ، ومن الأدعية التي تقال بعد إتمام الوضوء: «أشهدُ أن
لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، اللهمَّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين».
ومن ترك سنن الوضوء صحّ وضوؤه لكن فاته الأجر الكبير، ففي عمل السنن كلّها مع الأركان الثواب العظيم، ويُشترط لذلك كلّه أن يكون المتوضئ مسلمًا عاقلًا مميّزًا أي بلغ من العمر سنًّا يفهم فيه الخطاب ويردّ الجواب كابن سبع أو ثماني سنوات ونحوه، فلا يصح الوضوء ممّن لا يميّز كابن سنتين، وأن يكون الماء طهورًا أي طاهرًا غير نجس ومُطهّرًا وهو الماء الباقي على خِلقَتهِ التي خَلقهُ الله عليها كماء البحار والأنهار والينابيع والآبار والمطر وماء الثلج والبَرَد، ولم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه بشىء طاهر خالطه تغيُّرًا فاحشًا كالشاي ونحوه، وأن يسيل الماء ويجري على العضو المغسول بطبعه بخلاف المسح فلا يجزئ المسح على غير الرأس والخفين، وأن يزيل المتوضئ قبل غسل أو مسح الموضع ما يمنع وصول الماء إلى بشرته وما عليها من شعر وظفر، كالطين والعجين والشمع والطلاء ونحوه، فيجب على المرأة أن تزيل طلاء الأظْفار قبل الوضوء، لأنَّه حائلٌ يَمنع وصولَ الماء إلى العضو المغسول، أمَّا الحِنَّاء فلا تؤثّر على الغُسْل ولا على الوضوء لأنَّها لا تمنع من وصول الماء إلى البشرة ومثلها الحِبْر وما شابهه من الصباغ والألوان.
ويصح المسح على الخفين بدل غسل القدمين إن كملت شروطه، والخُفُّ هو ما يُلبس في الرجل فيشترطُ أن يكون ساترًا لمحل غسلها في الوضوء، وأن يكون لَبِسَهما على طهارة كاملة وأن يكون الخفّان طاهرَيْن ويمكنَ المشي عليهما ولو بلا نعل، وأن يكون الخف مانعًا من نفوذ الماء وأن يكون مسحهما في الحدث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغسل، ويمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وتعتبر المدة من وقت الحدث.
وينقض الوضوء ويبطله ما يخرج من السّبيلين أي من الذكر والفرج ومن مخرج الغائط الدبر، سواء أكان قليلًا أم كثيرًا معتادًا كالبول والغائط والريح أو غير معتاد كالدود والحصى، وذلك لقوله تعالى: ﴿ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ ﴾ سورة المائدة/6، وزوال العقل سواء أكان بجنون أم سكر أم إغماء أم نوم وذلك لقوله ﷺ: «العينُ وكاءُ السَّهِ، فمَنْ نامَ فليتوضأ» رواه ابن ماجه، معناه أنّ العينين مثل رباط القِربَة لو انفك تفلَّت ما في القِربة، هذا إن لم يكن النّوم من جالسٍ ممكّن مقعدته بحيث يأمنُ خروجَ الريح كالذي ينام على الكرسي في السيّارة أو في الطائرة وهو مثبّت مقعدته على الكرسي ويستيقظ على هذه الحال فلا ينتقض وضوؤه، وإلّا لو نام جالسًا واستيقظ مستلقيًا بَطلَ وضوؤه، وذلك لقول أنس رضي الله عنه: «كانَ أصحاب
رسول الله ﷺ ينامون ثمّ يصلون ولا يتوضؤون»، والمقصود هنا أنّهم ينامون وهم جالسون في انتظار الصّلاة، ويبطل الوضوء أيضًا مسّ القُبل أو حلقة الدبر لآدمي لا لبهيمة باليد بباطن الكف بلمس الجلد بالجلد، وهذا لقوله ﷺ: «من مسّ فرجه فليتوضّأ» رواه ابن ماجه، ولمس الرّجل لبشرة الأنثى التي في سن تُشتهى فيه بلا حائل وليست هي من محارمه، وذلك لقول الله تعالى: ﴿ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء﴾ سورة المائدة/6.
ومن انتقض وضوؤه يحرم عليه الصلاة سواء أكانت فرضًا أم سُنّة أم جنازة فلا يصحّ له صلاة إلا بعد أن يتوضأ، والطواف بالكعبة، سواء بحج أو عمرة أو غيره، وكذا حمل المصحف ومسّه فلا يجوز له أن يحمل المصحف ولو بحائل.
ولا يجوز له أن يمسَّهُ، أي لا يجوز له مَسُّ الكلام ولا الحاشية ولا الجلد المتصل به، إلا لضرورة كرفعه من مكان مستقذر أو نحوه مع عدم وجود متطهّر آخر قادر على رفعه، ويمكَّنُ من حمل المصحف بلا وضوء الصبيّ والصبية اللذان مـيّزا في العمر إذا كانا يدرسان في المصحف فيجوز لنا أن نمكّـنهما من حَمل المصحف ومسّـهِ إذا كانا يريدان ذلك لأجل الدراسة والتعلّم، فإذا كان الصبي يريد أن يأخذه معه عند الأستاذ الذي يدرّسه أو إذا كان يحمله ليدرس فيه وهو على غير وضوء يُمكَّن من ذلك، لأنّ الصبي إذا شرطتَ عليه كلما انتقض وضوؤه أن يتوضأ لأجل الدراسة في المصحف قد يشق عليه ويترك الدراسة فبسبب ذلك خُفّـِفَ في أمره. ولا يجوز الطلب ممّن هو دون سن التمييـز أن يحمل المصحف ليأتي به إلى والده أو جدّته أو نحوهما.
وفي الآية المذكورة أعلاه ذكر التيمّم وهو عبادة تبيح الصلاة في حال عدم وجود الماء أو كان الماء يَضرُّ المصلي، ويكون التيمّم بأن يَضرب من أراد التيمّم التّرابَ بكفّيه مع نيّة بالقلب لاستباحة فرض الصلاة، ثمّ يَمسح المُتيمّم وجهَهُ بكفّيهِ، ثم يَضرب التّراب بكفيّه ضربةً أُخرى، ثم يمسحُ يده اليمنى باطنًا وظاهرًا بيده اليُسرى، ويَمسح يده اليُسرى باطنًا وظاهرًا بيده اليُمنى، ويكون المسح لليدين مع المِرفقين والتيمّم يكون بعد دخول وقت الصلاة فلا يتيمّم للمغرب قبل مغيب الشمس مثلًا، وبعد إزالة النجاسة التي لا يُعفى عنها، ويكون التيمّم بترابٍ خالصٍ طهور له غبار فلا يصحّ التيمّم بالوسائد والأغطية والحديد والخشب كما يحصل من البعض، فترى من يتيمّم وهو في الطائرة مع وجود الماء ومن الكرسي مثلًا فهذا لا أصلَ له ولا يصح.
والله تعالى أعلم وأحكم.